كتاب المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (اسم الجزء: 5)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
صوريا، فنشدهما: (كيف تجدون في التوراة؟ ) قالا: نجد في التوراة: إذا شهد أربعة: أنَّهم رأوا ذكره في فرجها مثل الميل في المُكحُلة؛ رجما. وذكر الحديث (¬1). قال: فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالشهود، فجاء أربعة فشهدوا: أنهم رأوا فرجه في فرجها مثل المِيل في المكحلة. فأمر برجمهما (¬2).
قلت: فالحاصل من هذه الروايات: أن اليهود حَكَّمَت النبي - صلى الله عليه وسلم - فَحَكَم عليهم بمقتضى ما في التوراة، واستند في ذلك إلى قول ابني صوريا. وأنَّه سمع شهادة اليهود وعمل بها، وأنَّه ليس الإسلام شرطًا في الإحصان. وهذه مسائل يجب البحث عنها، فلنشرع في ذلك مستعينين بالله.
المسألة الأولى في التحكيم: فإذا ترافع أهل الذمَّة إلى الإمام؛ فإن كان ما رفعوه ظلمًا، كالقتل العدوان، والغصب؛ حكم بينهم، ومنعهم منه بلا خلاف. وأمَّا إن لم يكن كذلك؛ فالإمام مخيَّر في الحكم بينهم، وتركه عند مالك والشافعي، غير أن مالكًا رأى الإعراض عنهم أولى، فإن حكم حكم بحكم الإسلام، غير أن الشافعي قال: لا يحكم بينهم في الحدود. وقال أبو حنيفة: يحكم بينهم على كل حال. وهو قول الزهري، وعمر بن عبد العزيز، والحَكَم، وروي عن ابن عبَّاس، وهو أحد قولي الشافعي. والأولى ما صار إليه مالك لقوله تعالى: {فَإِن جَاءُوكَ فَاحكُم بَينَهُم أَو أَعرِض عَنهُم} وهو نصٌّ في التخيير. ثم إنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - حيث حكم عليهم فعل أحد ما خيَّره الله تعالى فيه، غير أنَّه يبقى على مالك أن يقال له: لِمَ قلتَ: إن الإعراض عنهم أولى مع أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد حكم بينهم؟ ولا يُتخلص من ذلك بأن يقال: لأنهم يستهزئون بأحكام المسلمين؛ لأنَّا نقول: إن أظهروا ذلك
¬__________
(¬1) رواه أبو داود (4452).
(¬2) هو حديث الباب رقم (2089).

الصفحة 110