كتاب المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (اسم الجزء: 5)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
عاقبناهم، وإن أخفوه، فما يخفون من اعتقادهم تكذيب نبينا - صلى الله عليه وسلم - أكبر، مع قطعنا بأنَّهم يعتقدون ذلك، لكنا عاقدناهم على ذلك، ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد علم منهم أنهم يهزؤون بديننا وأحكامنا، ومع ذلك فحكم عليهم، وأقرَّهم. ألا تسمع إلى قوله تعالى: {وَإِذَا نَادَيتُم إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا}؟ !
وأمَّا قول الشافعي: إنه لا يحكم بينهم في الحدود؛ فمخالف لنصّ الحديث المذكور في الواقعة، فلا يعول عليه. وقد تأوَّل الشافعي حكم النبي - صلى الله عليه وسلم - على اليهود بالرجم بأن ذلك منه كان إقامة لحكم كتابهم لَمَّا حرفوه، وأخفوه، وتركوا العمل به. ألا ترى أنَّه قال - صلى الله عليه وسلم -: (اللهم! إني أول من أحيا أمرك إذ أماتوه). وأيضًا: فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكن بعد نزل عليه حكم الزاني، ولذلك جاء في بعض طرق هذا الحديث: أن ذلك كان حين قدم المدينة، وأيضًا: فلأنه - صلى الله عليه وسلم - قد استثبت ابني صُوريا عن حكم التوراة، واستحلفهما على ذلك. وأقوال الكُفَّار في الحدود وفي شهاداتهم عليها غير مقبولة بالإجماع، لكن فعل ذلك على طريق إلزامهم ما التزموه وعملوا به. وقد قال هذا كله بعض أصحابنا. وهذا البحث هو المسألة الثانية.
والجواب عنه أن نقول: إنَّه - صلى الله عليه وسلم - حكم بما علم أنَّه حقٌّ من التوراة، وأنه حكم الله، ولولا ذلك لما أقدم على قتل من ثبت أن له عهدًا. ثمَّ لا يلزم أن يكون طريق حصول العلم بذلك له قول ابني صوريا، بل الوحي، أو ما ألقى الله تعالى في روعه من تعيين صدقهما فيما قالاه من ذلك. ولا نسلِّم: أن حكم الرَّجم لم يكن مشروعًا له قبل ذلك، فإنَّها دعوى تحتاج إلى إثباتها بالنقل. سلمنا ذلك، لكنا نقول: من ذلك الوقت بيان مشروعية الرَّجم ومبدؤه، فيكون النبي - صلى الله عليه وسلم - أفاد بما فعله إقامة حكم التوراة، وبيان أن ذلك حكم شريعته، وأن التوراة يحكم بما صحَّ وثبت فيها أنَّه حكم الله. وعلى هذا يدلُّ قوله تعالى: {إِنَّا أَنزَلنَا التَّورَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسلَمُوا} وهو نبي من الأنبياء. وقد قال عنه

الصفحة 111