كتاب المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (اسم الجزء: 5)

فَجَلَدَهُ بِجَرِيدَتَينِ نَحوَ أَربَعِينَ، قَالَ: وَفَعَلَهُ أَبُو بَكرٍ، فَلَمَّا كَانَ عُمَرُ استَشَارَ النَّاسَ، فَقَالَ عَبدُ الرَّحمَنِ: أَخَفُّ الحُدُودِ ثَمَانونَ، فَأَمَرَ بِهِ عُمَرُ.
رواه البخاري (6773)، ومسلم (1706) (35)، وأبو داود (4479)، والترمذي (1343).
ـــــــــــــــــــــــــــــ
خلاف ذلك فإنما هو خلاف متأخر مسبوق بالإجماع المتقدم. وقد عضد حديث جابر ما خرَّجه البخاري من حديث عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: أن رجلًا كان اسمه: عبد الله، وكان يلقب حمارًا، وكان يُضحِك النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد جلده في الشراب، فأُتي به يومًا، فأمر به فجلد. فقال رجل من القوم: اللهم العنه، ما أكثر ما يُؤتى به! فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (لا تلعنوه، فوالله ما علمت إلا أنه يحب الله ورسوله (¬1). وظاهره: أن هذا الشارب شرب أكثر من أربع مرَّات، ثم لم يقتله، بل شهد له أنَّه يحب الله ورسوله.
و(قوله: فجلده بجريدتين نحو أربعين)، وفي الرواية الأخرى: (جلد في الخمر بالجريد والنعال أربعين). هذه الروايات تدل على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يحد في الخمر حدًّا محدودًا، وإنما كان ذلك منه تعزيرًا وأدبًا، لكن انتهى في ذلك إلى أربعين. ومما يدلّ على ذلك ما رواه أبو داود عن أبي هريرة: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أُتي برجل شرب، فقال: (اضربوه). قال: فمنا الضارب بيده، والضارب بنعله، والضارب بثوبه. ثم قال لأصحابه: (بكتوه)، فأقبلوا عليه يقولون: أما اتقيت الله؟ ! أما استحييت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬2)؟ ! وهذا كله يدلّ على أن ذلك كله أدب، وتعزير. ولذلك قال علي - رضي الله عنه -: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يَسُنَّه؛ أي: لم يحدَّ فيه حدًّا، ولذلك اجتهدت الصحابة فيه، فألحقوه بأخف الحدود، وهو حدُّ
¬__________
(¬1) رواه البخاري (6780).
(¬2) رواه أبو داود (4487).

الصفحة 129