كتاب المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (اسم الجزء: 5)
[1794] وعنه: أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ جَلَدَ فِي الخَمرِ بِالجَرِيدِ وَالنِّعَالِ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
لا يزجرهم، ولا يبالون به، فظهر لهم أن يلحقوه بأخف حدود الأحرار المذكورة في القرآن، فوجدوه القذف، مع أنه قد ظهر لهم جامع بينهما، فقالوا: إذا سَكِرَ هَذَى، وإذا هَذَى افترى. ومع ما تقدَّم لهم من أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد قارب فيه الثمانين، فأثبتوها، ومنعوا من الزيادة عليها. ولما ظهر هذا المعنى لعلي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال مصرِّحًا به: جلد رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أربعين، وأبو بكرٍ أربعين، وعمر ثمانين، وكل سُنَّة. ثمَّ إنَّه جلد هو أربعين، وأقرَّه على ذلك عثمان، ومَن حضر من الصحابة - رضي الله عنهم - وظهر له أن الاقتصار على أربعين أولى من الثمانين؛ مخافةَ أن يموتَ فتلزمه الدِّية، كما قد صرَّح به؛ حيث قال: ما كنت أقيمُ على أحدٍ حدًّا فيموت فيه، فأجد في نفسي، إلا صاحب الخمر، لأنه إن مات وَدَيتُهُ. وهذا يدلُّ على أنَّه جلد فيه ثمانين في ولايته، وأنَّه لم يخالف عمر في الثمانين، وإيَّاها عَنَى بقوله: (فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يَسُنَّه)، ولا يصحُّ أن يريدَ بذلك الأربعين؛ لأنه هو الذي روى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جلد فيه أربعين. ولو مات في الأربعين لم تجب له ديةٌ بوجهٍ. ولذلك قال الشافعي: لو مات في الأربعين فالحقُّ قَتَلَهُ، كما تقدَّم. فتفهَّم هذا البحث، فإنَّه حسن.
وحاصله: أن الجلدَ على الخمر تعزير مُنِع من الزيادة على غايته. فرأت طائفه: أن غايته أربعون، فلا يُزاد عليه. وبه قال الشافعي من الفقهاء، والإجماع: على أنَّه لا يزاد على الثمانين، فإن قيل: كيف يكون تعزيرًا وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: (لا يُجلَدُ أحدٌ فوق عشرة أسواطٍ إلا في حدٍّ من حدود الله (¬1)؟ فمقتضى هذا: ألا يُزاد في التعزير على العشرة. وبه قال من يأتي ذكره بعد هذا إن شاء الله تعالى. فالجواب: إنَّه سيأتي الكلام على ذلك الحديث.
¬__________
(¬1) سبق تخريجه في التلخيص برقم (2097).
الصفحة 131
648