كتاب المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (اسم الجزء: 5)
- وفي رواية: أربعين - ثُمَّ جَلَدَ أَبُو بَكرٍ أَربَعِينَ، فَلَمَّا كَانَ عُمَرُ وَدَنَا النَّاسُ مِن الرِّيفِ وَالقُرَى، قَالَ: مَا تَرَونَ فِي جَلدِ الخَمرِ؟ فَقَالَ عَبدُ الرَّحمَنِ بنُ عَوفٍ: أَرَى أَن تَجعَلَهَا كَأَخَفِّ الحُدُودِ، قَالَ: فَجَلَدَ عُمَرُ ثَمَانِينَ.
رواه مسلم (1706) (36).
ـــــــــــــــــــــــــــــ
و(قوله: فلمَّا كان عمر ودنا النَّاس من الرِّيف والقرى) كان هنا تامَّة. وفي الكلام حذفٌ؛ أي: لما وقع، ووجد زمن خلافة عمر. والرِّيف: أرض الزرع والخصب. والجمع: أرياف. يقال: أَرَافَت الأرض - رباعيًّا - أخصبت. ورافت الماشية: إذا رعت الريف. وأَريَفنا: أي: صرنا إلى الريف. (من الصحاح) ويعني بذلك: أنَّه لما فتحت البلاد بالشَّام وغيرها، وكثرت الكروم ظهر في الناس شُربُ الخمر، فشاور عمرُ الصحابةَ - رضي الله عنهم - في التشديد في العقوبة عليها، فتفاوضوا في ذلك، واتفقوا على إلحاقها بحدِّ القذف؛ لأنَّه أخف الحدود، كما قال عبد الرحمن. وقد جاء في الموطأ: أن عمر لَمَّا استشارهم في ذلك قال علي: نرى أن تجلده ثمانين، فإنه إذا شرب سكر، وإذا سَكِرَ هَذَى، وإذا هَذَى افترى (¬1). فصرَّح بكيفية الإلحاق. وحاصلها راجعٌ إلى أنه أقام السُّكر مقامَ القذف؛ لأنه لا يخلو عنه غالبًا، فأعطاه حكمه، فكان هذا الحديث من أوضح حجج القائلين بالقياس والاجتهاد؛ إذ هذه القضيةُ نصٌّ منهم على ذلك. وهم الملأ الكريم. وقد انتشرت القضيةُ في ذلك الزَّمان، وعمل عليها في كل مكانٍ، ولم يتعرَّض بالإنكار عليها إنسان، مع تكرار الأعصار، وتباعد الأقطار، فكان ذلك إجماعًا على صحة العمل بالقياس الذي لا ينكره إلا الأغبياء من الناس. وقد أورد بعض من يتعاطى العلم الجدلي على هذا النظر السديد العَلَوِي أن قال: إن حكم للسُّكر بحكم القذف - لأنه مظنَّته - فليحكم له بحكم الزِّنى والقتل لأنه مظنتهما. وأيضًا: فلأنه يلزم عليه ألا يُحَدَّ على مجرد الشرب، بل على السُّكر خاصةً، لأنَّه هو المظنَّة، لا الشُرب.
¬__________
(¬1) رواه مالك في الموطأ (2/ 842).
الصفحة 132
648