كتاب المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (اسم الجزء: 5)
فَقَالَ عُثمَانُ: إِنَّهُ لَم يَتَقَيَّأ حَتَّى شَرِبَهَا، فَقَالَ: يَا عَلِيُّ، قُم فَاجلِدهُ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الفقه: تلفيق الشهادتين إذا أدَّتا إلى معنى واحد، فإن أحدهما شهد برؤية الشرب. والآخر بما يستلزم الشرب، ولذلك قال عثمان: إنَّه لم يتقيَّأ حتى شربها. غير أنَّه قد ذكر الحُمَيدِي محمد بن نصر في حديث عمر حين شهد عنده الجارود: بأن قدامة شرب الخمر ثمَّ دعا بأبي هريرة وقال: علام تشهد؟ فقال: لم أره حين شرب! وقد رأيته سكران يقيء. فقال عمر: لقد تنطَّعتَ يا أبا هريرة في الشهادة! فلمَّا استحضر قُدامة أنكر. فقال أبو هريرة: يا أمير المؤمنين! إن كنت تشك في شهادتنا فَسَل بنت الوليد امرأة ابن مظعون. فأرسل عمر إلى هند ينشدها بالله. فأقامت هند على زوجها الشهادة، فجلده. فظاهر هذا: أن عمر لم يسمع شهادة أبي هريرة لما قال له: إنَّه لم يره يشرب، وإنَّما رآه يتقيَّأ.
والجواب: أن عمر إنَّما توقف في شهادة أبي هريرة؛ لأنَّ أبا هريرة سلك في أداء الشهادة مسلك من يُخبر بتفصيل قرائن الأحوال التي أفادته العلم بالمشهود فيه، ومهما شرع الشاهد في تفصيل ذلك وحكايته لم يحصل لسامع الشهادة الجزم بصحتها؛ لأنَّ قرائن الأحوال لا تنضبط بالحكاية عنها، وإنما حق الشاهد أن يعرض عنها، ويُقدِم على الأداء إقدام الجازم المخبر عن علم حاصل، فكان توقف عمر لذلك. ثمَّ إن أبا هريرة لما جزم في الشهادة سمعها عمر وحكم بها، لكنه استظهر بقول هند على عادته في الاستظهار في الشهادات والإخبار، ولا يظن به أنه ردَّ شهادة أبي هريرة، وقبل شهادة امرأة في الحدود، إلا من هو عن المعارف مصدود.
و(قول عثمان لعلي: قم يا علي فاجلده) دليل على أن الحدَّ إنَّما ينبغي أن يقيمه بين أيدي الخلفاء والحكام فضلاء الناس، وخيارهم. وكذلك كانت الصحابة تفعل كلَّما وقع لهم شيء من ذلك. وسبب ذلك: أنَّه قيامٌ بقاعدةٍ شرعية، وقُربة تعبديِّة تجب المحافظة على فعلها، وقدرها، ومحلِّها، وحالها، بحيث لا يُتَعَدَّى
الصفحة 134
648