كتاب المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (اسم الجزء: 5)

مَالُوا عَلَى الرُّعَاء، فَقَتَلُوهُم وَارتَدُّوا عَن الإِسلَامِ، وَاستاقُوا ذَودَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ذلك أبو حنيفة فقال: لا تقتل الجماعة بالواحد. والحديث حجَّة عليه.
وقول عمر - رضي الله عنه -: (لو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلتهم به). غير أن ذلك الحديث يُشكِل بما زاده أبو داود فيه من حديث أنس أيضًا قال: فبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في طلبهم قافة، فأُتي بهم، فأنزل الله تعالى في ذلك: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسعَونَ فِي الأَرضِ فَسَادًا} الآية (¬1).
وعلى هذا فإنما قطعهم وقتلهم لأنهم محاربون، فلا يكون فيه حجَّة على شيء مما ذكر قبل هذا من الأوجه المستنبطة؛ لأنَّهم إذا كانوا محاربين فهو مخيَّر فيهم. ثم يشكل هذا بما زاده أبو داود فيه من حديث أنس، فإنَّه قال فيه بعد ذلك: ثم نهى عن المثلة (¬2).
وفيه من حديث أبي الزناد: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما قطع أيدي الذين سرقوا لقاحه، وسمل أعينهم بالنار عاتبه الله في ذلك، فأنزل الله عزَّ وجلَّ في ذلك: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} الآية (¬3). فإن كان فعل ذلك قصاصًا منهم، أو حدًّا؛ لأنهم محاربون؛ فذلك ليس بمثلة منهيًّا عنها، ولا يعاتب عليه.
قلت: والذي يرتفع به الإشكال -إن شاء الله -: أن طرق حديث أنس الواقعة في كتاب مسلم والبخاري أشهر وأصح من طرق أبي داود. وتلك الطرق متوافقة: على أن ذلك من النبي - صلى الله عليه وسلم - كان قصاصًا منهم بما فعلوا، غير تركهم حتى ماتوا عطاشًا، وتكحيلهم بمسامير محمَّاة، كما ذكره أبو داود، وكما دل عليه قوله: (وسمر أعينهم). فيمكن أن يقال: إن الله تعالى عاتبه على ذلك القدر الذي زاده فقط، دون القصاص والقتل، فإن ذلك كان حكمهم. ولم يَستَتِبهُم من الرِّدة، إما لأن الاستتابة لم تكن إذ ذاك مشروعة، وإمَّا لأنهم كانوا قد وجب قتلهم إمَّا
¬__________
(¬1) رواه أبو داود (4366).
(¬2) رواه أبو داود (4368).
(¬3) رواه أبو داود (4370).

الصفحة 20