كتاب المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (اسم الجزء: 5)

رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، فَبَعَثَ فِي أَثَرِهِم، فَأُتِيَ بِهِم، فَقَطَعَ أَيدِيَهُم وَأَرجُلَهُم، وَسَمَلَ أَعيُنَهُم، وَتَرَكَهُم فِي الحَرَّةِ حَتَّى مَاتُوا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بالقصاص، وإمَّا بالحرابة؛ فلا بدَّ من قتلهم، فلا يظهر للاستتابة فائدة، فاستغنى عنها، والله تعالى أعلم.
غير أنه يبقى على هذا إشكال آخر، وهو: أن من قطع يد رجل أو رجله، أو فقأ عينه، ثم قتله، قتل به، ولم يُفعل به شيء مما فعل بالمقتول من قطع، أو جرح. بل يُقتل خاصة إلا أن يكون قد مَثَّل به فيُفعل به كما فعل، ثمَّ يقتل. هذا مذهب مالك. وقال أبو حنيفة، والشافعي: يجرح، أو يقطع، ثم يُقتل. فعلى قولهما لا إشكال فيه. ويزول الإشكال على قول مالك بأنهم مثَّلوا بالرَّاعي فمُثِّل بهم، ثم قُتِلوا.
وقد اختلف العلماء فيماذا نزلت: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ}؟ فقيل: نزلت في هؤلاء العُرَنيَّين كما ذكرناه في حديث أبي داود. وذهب الحسن البصري، وعطاء بن أبي رباح: إلى أنها نزلت في المشركين. وذهب ابن جرير: إلى أنها نزلت في اليهود. قال: ويدخل تحتها كلُّ ذِمِّي وملِّي. وذهب مالك، والشافعي، وأبو ثور، وأصحاب الرأي: إلى أنها نزلت في المسلمين المحاربين. وهذا القول أصحها - إن شاء الله تعالى - لوجهين:
أحدهما: أن الكفار لا تخيير فيهم بين القتل والصَّلب، وقطع الأيدي والأرجل. وإنَّما حكم الكافر الأصلي: إمَّا القتل، وإمَّا السباء، أو الجزية. وأمَّا المرتد: فالقتل. وهل يستتاب أو لا؟ هذا محل الخلاف كما تقدم.
وثانيهما: أن الكافر لو تاب فأسلم بعد القدرة عليه لصحت توبته، وحرم قتله بالإجماع. وآية المحاربة بنصِّها مخالفة لهذين الوجهين. فدلَّ اختلاف حكم الكافر لحكم المحارب: أن المحارب إنَّما هو مسلمٌ بحكم اعتقاده، محارب بفعله. فحكمه ما ذكره الله تعالى في آية المحاربة. ثم المحاربة عندنا هي: إخافة السبيل، وإشهار السلاح قصدًا لأخذ الأموال، وسعيا بالفساد في الأرض، ويكون خارج

الصفحة 21