كتاب المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (اسم الجزء: 5)

ثَلَاثَةٌ مُتَوَالِيَاتٌ: ذُو القَعدَةِ، وَذُو الحِجَّةِ، وَالمُحَرَّمُ، وَرَجَبٌ شَهرُ مُضَرَ، الَّذِي بَينَ جُمَادَى وَشَعبَانَ. ثُمَّ قَالَ: أَيُّ شَهرٍ هَذَا؟ . قُلنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعلَمُ، قَالَ: فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيرِ اسمِهِ، قَالَ: أَلَيسَ ذَا الحِجَّةِ؟ . قُلنَا: بَلَى، قَالَ: فَأَيُّ بَلَدٍ هَذَا؟ . قُلنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعلَمُ، قَالَ: فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيرِ اسمِهِ، قَالَ: أَلَيسَ البَلدَةَ؟ . قُلنَا: بَلَى، قَالَ: فَأَيُّ يَومٍ هَذَا؟ . قُلنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعلَمُ، قَالَ: فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيرِ اسمِهِ، قَالَ: أَلَيسَ يَومَ النَّحرِ؟ . قُلنَا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: فَإِنَّ دِمَاءَكُم، وَأَموَالَكُم - قَالَ: وَأَحسِبُهُ قَالَ -
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وقوله - صلى الله عليه وسلم -: (ثلاثة متواليات) أي: يتلو بعضها بعضًا، كما قد قال في الرواية الأخرى: (ثلاثة سردٌ، وواحدٌ فرد).
و(قوله: رجب شهر مُضَر الذي بين جمادى وشعبان) هذه مبالغةٌ في تعيين هذا الشهر ليتميَّز عمَّا كانوا يتحكَّمون به من النَّساء، ومن تغيير أسماء الشهور. وقد تقدَّم: أنهم كانوا يسقطون من السَّنة شهرًا وينقلون اسم الشهر للَّذي بعده، حتى سَمُّوا شعبان رجبًا. ونسبة هذا الشهر لِمُضَر: إما لأنهم أول من عظمه، أو: لأنهم ك نوا أكثر العرب له تعظيمًا، واشتهر ذلك حتى عرف بهم.
و(قوله: أي شهر هذا؟ ) و: (أي بلد هذا؟ ) و: (أي يوم هذا؟ ) وسكوته بعد كل واحد منها؛ كان ذلك منه استحضارًا لفهومهم، وتنبيهًا لغفلتهم، وتنويهًا بما يذكره لهم؛ حتى يُقبلوا عليه بكليتهم، ويستشعروا عظمة حرمة ما عنه يخبرهم. ولذلك قال بعد هذا: (فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا). وهذا منه - صلى الله عليه وسلم - مبالغة في بيان تحريم هذه الأشياء، وإغياءٌ في التنفير عن الوقوع فيها؛ لأنَّهم كانوا قد اعتادوا فعلها، واعتقدوا حليتها، كما تقدَّم في بيان أحوالهم، وقبح أفعالهم.

الصفحة 47