كتاب المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (اسم الجزء: 5)

وَأَعرَاضَكُم حَرَامٌ عَلَيكُم، كَحُرمَةِ يَومِكُم هَذَا، فِي بَلَدِكُم هَذَا، فِي شَهرِكُم هَذَا، وَسَتَلقَونَ رَبَّكُم فَيَسأَلُكُم عَن أَعمَالِكُم، فَلَا تَرجِعُوا بَعدِي كُفَّارًا يَضرِبُ بَعضُكُم رِقَابَ بَعضٍ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
و(قوله: وسَتَلقُون ربكم فيسألكم عن أعمالكم) أي: ستقفون في العرض موقف من لقي فحبس حتَّى تعرض عليه أعماله، فيسأل عنها، وهذا إخبارٌ بمقام عظيم، وأمر هائل، لا يُقدَرُ قدرُه، ولا يتصور هوله، أصبح الناس عن التذكر فيه معرضين، وعن الاستعداد له متشاغلين. فالأمر كما قال في كتابه المكنون: {قُل هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ * أَنتُم عَنهُ مُعرِضُونَ} فنسأل الله تعالى من فضله أن يوقظنا من رقدتنا، وينبهنا من غفلتنا، ويجعلنا ممن استعدَّ للقائه، وكُفِي فواجِئ نِقمَه وبلائه.
و(قوله: فلا ترجعوا بعدي كفارًا (¬1) يضرب بعضكم رقاب بعض) بهذا وأشباهه كفر الخوارج عليًّا، ومعاوية، وأصحابهما. وهذا إنما صدر عنهم؛ لأنَّهم سمعوا الأحاديث ولم تحط بها فهومهم، كما قرؤوا القرآن ولم يجاوز تراقيهم، فكأنهم ما قرؤوا قول الله عز وجل: {وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ المُؤمِنِينَ اقتَتَلُوا فَأَصلِحُوا بَينَهُمَا} إلى قوله: {إِنَّمَا المُؤمِنُونَ إِخوَةٌ فَأَصلِحُوا بَينَ أَخَوَيكُم} فأبقى عليهم اسم الإيمان وأخوّته، مع أنهم قد تقاتلوا، وبغت إحداهما على الأخرى، وقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغفِرُ أَن يُشرَكَ بِهِ وَيَغفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ} والقتل ليس بشرك بالاتفاق والضرورة. وكأنهم لم يسمعوا قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (تبايعوني على ألا تشركوا بالله شيئًا، ولا تزنوا، ولا تسرقوا، ولا تقتلوا النفس التي حرَّم الله إلا بالحق. فمن وفى منكم فأجره على الله، ومن أصاب شيئًا من ذلك فعوقب به فهو كفارةٌ له) (¬2)، وقد تقدم هذا المعنى في كتاب: الإيمان.
¬__________
(¬1) في (ج 2): ضلالًا.
(¬2) رواه البخاري (7213)، ومسلم (1709)، والترمذي (1439)، والنسائي (7/ 142).

الصفحة 48