كتاب المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (اسم الجزء: 5)

أَلَا لِيُبَلِّغ الشَّاهِدُ الغَائِبَ، فَلَعَلَّ بَعضَ مَن يُبَلِّغُهُ يَكُونُ أَوعَى لَهُ مِن بَعضِ مَن سَمِعَهُ. قَالَ: أَلَا هَل بَلَّغتُ؟ .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وإنَّما يُحمل الحديث على التشبيه تغليظًا؛ وذلك: أن المسلمين إذا تحاجزوا، وتقاتلوا؛ فقد ضلَّت الطائفة الباغية منهما، أو كلاهما إن كانتا باغيتين عن الحق، وكفرت حق الأخرى وحرَّمتها. وقد تشبَّهوا بالكفار. وكأنه - صلى الله عليه وسلم - اطَّلع على ما يكون في أمَّته من المِحَن والفتن، فحذَّر من ذلك، وغلَّظه بذلًا للنصيحة، ومبالغة في الشفقة - صلى الله عليه وسلم -.
و(قوله: ألا ليبلِّغ الشاهد الغائب) أمرٌ بتبليغ العلم، ونشره. وهو فرض من فروض الكفايات.
و(قوله: فلعل بعض من يبلغه يكون أوعى له ممن سمعه) حجة على جواز أخذ العلم والحديث عمَّن لا يفقه ما ينقل؛ إذا أدَّاه كما سمعه. وهذا كما قال - صلى الله عليه وسلم - فيما خرَّجه الترمذي: (نضَّر الله امرأً سمع منَّا حديثًا فبلَّغه غيره كما سمعه، فربَّ حامل فقهٍ إلى من هو أفقه منه، وربَّ حامل فقه ليس بفقيه) (¬1).
فأمَّا نقل الحديث بالمعنى: فمن جوَّزه إنَّما جوَّزه من الفقيه العالم بمواقع الألفاظ. ومن أهل العلم من منع ذلك مطلقًا. وقد تقدَّم ذلك.
وفيه حجَّة: على أن المتأخر قد يفهم من الكتاب والسُّنة ما لم يخطر للمتقدم؛ فإن الفهم فضل الله يؤتيه من يشاء. لكن هذا يندر ويقل، فأين البحر من الوَشَل (¬2). والعَلُّ من العَلَلِ. ليس التكحُّل في العينين كالكَحَل.
و(قوله: ألا هل بلَّغت) استفهام على جهة التقرير؛ أي: قد بلغتكم ما
¬__________
(¬1) رواه أحمد (1/ 437)، والترمذي (2657)، وابن ماجه (232).
(¬2) "الوشل": الماء القليل يتحلب من جبلٍ أو صخرةٍ يقطر منه قليلًا، لا يتصل قطره.

الصفحة 49