كتاب المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (اسم الجزء: 5)

فَرَجَعَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، بَلَغَنِي أَنَّكَ قُلتَ: إِن قَتَلَهُ فَهُوَ مِثلُهُ. وَأَخَذتُهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فإن القاتل الأوَّل قَتَل عمدًا. والثاني يَقتُلُ قِصَاصًا، ولذلك: لما سمع الولي ذلك قال: (يا رسول الله! قلت ذلك؟ ! وقد أخذته بأمرك).
فاختلف العلماء في تأويل هذا على أقوال:
الأول: قال الإمام أبو عبد الله المازري: أمثلُ ما قيل فيه: أنَّهما استويا بانتفاء التِّباعةِ عن القاتل بالقِصاص.
قلت: وهذا كلامٌ غير واضح. ويعني به - والله أعلم -: أن القاتل إذا قَتَل قِصَاصًا لم يبق عليه تبعة من القتل. والمقتصّ: لا تبعة عليه؛ لأنَّه استوفى حقه، فاستوى الجاني والولي المقتصُّ في أن كل واحد منهما لا تبعة عليه.
الثاني: قال القاضي عياض: معنى قوله: (فهو مثله) أي: قاتل مثله، وإن اختلفا في الجواز والمنع، لكنهما اشتركا في طاعة الغضب، وشِفَاء النفس، لا سيما مع رغبة النبي - صلى الله عليه وسلم - في العفو، على ما جاء في الحديث.
قلت: والعجيبُ من هذين الإمامين: كيف قنعا بهذين الخيالين (¬1) ولم يتأمَّلا مساق الحديث، وكأنهما لم يسمعا قول النبي - صلى الله عليه وسلم - حين انطلق به يجرُّه ليقتله: (القاتل والمقتول في النار). وهذه الرواية مفسِّرة لقوله في الرواية المتقدمة: (إن قَتَلَه فهو مِثلُه) [لأنها ذُكِرت بدلًا منها، فعلى مقتضى قوله: (فهو مثله) أي: هو في النار مثله] (¬2)، ومن هنا عظم الإشكال. ولا يلتفت لقول من قال: إن ذلك إنما قاله - صلى الله عليه وسلم - للولي لِمَا عَلِمَه منه من معصية يستحق بها دخول النار؛ لأنَّ المعصية المقدرة (¬3)، إما أن يكون لها مدخل في هذه القصَّة، أو لا مدخل لها فيها. فإن كان
¬__________
(¬1) في (ع) و (م): الحالين.
(¬2) ما بين حاصرتين ساقط من (ع).
(¬3) المقدرة ليست في (ع).

الصفحة 55