كتاب المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (اسم الجزء: 5)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الرابع: أن أبا داود (¬1) روى هذا الحديث عن وائل بن حجر، وذكر فيه ما يدلّ: على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قصد تخليصه فعرض (¬2) الدِّية، أو العفو على الولي ثلاث مرَّات، والولي في كل ذلك يأبى إلا القتل معرضًا عن شفاعة النبي - صلى الله عليه وسلم - وعن حرصه على تخليص الجاني من القتل، فكأن الولي صدر منه جفاء في حق النبي - صلى الله عليه وسلم - حيث ردَّ متأكد شفاعته، وخالفه في مقصوده. ويظهر هذا من مساق الحديث. وذلك: أن وائل بن حجر قال: كنت عند النبي - صلى الله عليه وسلم - إذ جيء برجل قاتل في عنقه نسعة. قال: فدعا ولي المقتول، فقال: (أتعفو؟ )، قال: لا. فقال: (أتأخذ الدِّية؟ ) قال: لا. قال: (أتقتل؟ ) قال: نعم. قال: (اذهب به)، فلمَّا ولى، قال: (أتعفو؟ ) قال: لا. قال: (أفتأخذ الدِّية؟ ) قال: لا. قال: (أفتقتل؟ ) قال: نعم. قال: (اذهب به)، فلمَّا كان في الرابعة قال: (أما إنَّك إن عفوت عنه يبوء بإثمه وإثم صاحبه)، قال: فعفا عنه (¬3). فهذا المساق يفهم منه: صحَّة قصد النبي - صلى الله عليه وسلم - لتخليص ذلك القاتل، وتأكد شفاعته له في العفو، أو قبول الدِّية. فلمَّا لم يلتفت الولي إلى ذلك كله صدرت منه - صلى الله عليه وسلم - تلك الأقوال الوعيدية مشروطة باستمراره على لَجَاجه، ومضيه على جفائه. فلما سمع الولي ذلك القول عفا وأحسن، فقُبِلَ، وأُكرِمَ. وهذا أقرب من تلك التأويلات والله أعلم بالمشكلات. وهذا الذي أشار إليه ابن أشوع حيث قال: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - سأله أن يعفو فأبى.
تنبيه: إنَّما عظم الإشكال من جهة قوله - صلى الله عليه وسلم -: (القاتل والمقتول في النار)، ولما كان ذلك قال بعض العلماء: إن هذا اللفظ يعني: قوله: (القاتل والمقتول في النار) إنما ذكره النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث آخر، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا التقى المسلمان
¬__________
(¬1) رواه أبو داود (4499) عن وائل بن حجر.
(¬2) في (ل 1): بعرْضِ.
(¬3) رواه أبو داود (4499).

الصفحة 57