كتاب المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (اسم الجزء: 5)
فَقَالَت: أَرَدتُ لِأَقتُلَكَ، قَالَ: مَا كَانَ اللَّهُ لِيُسَلِّطَكِ عَلَى ذَلكِ قَالَ - أَو قَالَ: عَلَيَّ قَالَ -: قَالُوا: أَلَا تَقتُلُهَا؟ قَالَ: لَا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
السُّم في النبي - صلى الله عليه وسلم - فتوفي بسببه، كما قال - صلى الله عليه وسلم - في مرضه الذي توفي فيه: (لم تزل أكلة خيبر تعاودني (¬1)، فالآن أوان قطعت أبهري) (¬2) فجمع الله لنبيِّه صلى الله عليه وسلم بين النبوَّة والشهادة مبالغة في الترفيع والكرامة. وأمَّا بشر بن البراء: فروي: أنه مات من حينه. وقيل: بل لزمه وجعه ذلك، ثم توفي منه بعد سنة.
ففي هذا الحديث فوائد كثيرة؛ أهمها: ما أظهر الله تعالى من كرامات النبي - صلى الله عليه وسلم - حيث كلمه الجماد، ولم يؤثر فيه السُّم، وعلم ما غيب عنه من السُّم. وفيه ما نبه عليه في الترجمة: من أن السُّموم لا تؤثر بذواتها، بل بإذن الله تعالى ومشيئته. ألا ترى: أن السُّم أثر في بشر ولم يؤثر في النبي - صلى الله عليه وسلم -، فلو كان يؤثر بذاته لأثر فيهما في الحال؟ ! .
و(قوله: ألا تقتلها! قال: لا) هذه رواية أنس: أنَّه لم يقتلها. وقد وافقه على ذلك أبو هريرة فيما رواه عنه ابن وهب. وقد روى عنه أبو سلمة بن عبد الرحمن: أنَّه قتلها. وفي رواية ابن عباس: أنَّه صلى الله عليه وسلم دفعها إلى أولياء بشر فقتلوها. ويصح الجمع، بأن يقال: إنه لم يقتلها أولًا بما فعلت من تقديم السُّم إليهم، بل حتى مات بشر، فدفعها إليهم فقتلوها.
ففيه من الفقه: أن القتل بالسُّم كالقتل بالسِّلاح الذي يوجب القصاص. وهو قول مالك إذا استكرهه على شربه فيقتل بمثل ذلك. وقال الكوفيون: لا قصاص في ذلك، وفيه الدِّية على عاقلته. قالوا: ولو دسَّه له في طعام أو شراب لم يكن عليه شيء ولا على عاقلته. وقال الشافعي: إذا فعل ذلك به وهو مكره ففيه قولان:
¬__________
(¬1) كذا في (ل 1)، وفي بقية النسخ: (تعادُّني).
(¬2) رواه البخاري (4428)، والدارمي (1/ 32).