كتاب المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (اسم الجزء: 5)

أَمَا تُرِيدُ أَن يَبُوءَ بِإِثمِكَ وَإِثمِ صَاحِبِكَ؟ . قَالَ: بلى يَا نَبِيَّ اللَّهِ، قَالَ: فَإِنَّ ذَاكَ كَذَاكَ. قَالَ: فَرَمَى بِنِسعَتِهِ وَخَلَّى سَبِيلَهُ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار) (¬1). فوهم بعض الرواة، فضمه إلى هذا الحديث الآخر.
قلت: وهذا فيه بُعد. والله تعالى أعلم.
و(قوله: أما تريد أن يبوء بإثمك وإثم صاحبك؟ ) أي: ينقلب، ويرجع. وأكثر ما يُستعمل: (باء بكذا) في الشر. ومنه قوله تعالى: {فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ} ويعني بذلك - والله تعالى أعلم -: أن المقتول ظلمًا تُغفر له ذنوبه عند قتل القاتل له. والولي يغفر له عند عفوه عن القاتل. فصار ذهاب ذنوبهما بسبب القاتل، فلذلك قيل عنه: إنَّه باء بذنوب كل واحد منهما. هذا أحسن ما قيل فيه. والله تعالى أعلم.
و(قوله: ألك شيء تؤدِّيه عن نفسك) يفيد: أنَّه لو حضرت الدِّية لدفعت للولي، ولسقط القصاص لكن برضى الولي، ولا يُجبر على أخذها؛ لأنَّ الذي للولي القصاص أو التخيير. وهو حقه، ولا يختلف في هذا. وإنَّما اختلف في إجبار القاتل على إعطاء الدية إذا رضي بها الولي. فذهب جماعة: إلى إجباره عليها؛ منهم: الشافعي وغيره على ما تقدَّم في كتاب الحجِّ. وقالت طائفة أخرى: لا يجبر عليها، ولا يكون ذلك إلا برضا القاتل والولي، وإليه ذهب الكوفيون. وهو مشهور مذهب مالك. وسبب هذا الخلاف معارضة السُّنة للقرآن. وذلك: أن ظاهر القرآن وجوب القصاص. وهو قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيكُمُ القِصَاصُ فِي القَتلَى} وقوله: {وَكَتَبنَا عَلَيهِم فِيهَا أَنَّ النَّفسَ بِالنَّفسِ} وقد ثبت: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (من قتل له قتيل فأهله بين خيرتين،
¬__________
(¬1) رواه أحمد (5/ 46)، ومسلم (2888) (15)، وأبو داود (4269)، والنسائي (7/ 124)، وابن ماجه (3965).

الصفحة 58