كتاب المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (اسم الجزء: 5)

وفي رواية: إن سرق حبلا وإن سرق بيضة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
به المتاع والرَّحل تافهٌ. وإنَّما سلك النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث مسلك العرب فيما إذا أغيَت في تكثير شيء أو تحقيره، فإنَّها تذكر في ذلك ما لا يصحّ وجوده، أو ما يندر وجوده إبلاغًا في ذلك، فتقول: لأصعَدنَّ بفلان إلى السماء، ولأهبطنَّ به إلى تخوم الثَّرى. وفلانٌ مناطُ الثُّريَّا. وهو مِنِّي مقعد القابلة. ومن بنى لله مسجدًا ولو مثل مفحص قطاة بُني له بيتٌ في الجنة. ولا يُتصوَّر مسجد مثل ذلك. وتصدَّقن ولو بظلفٍ مُحرَّقٍ. وهو مِمَّا لا يُتصدقُ به. ومثل هذا كثير في كلامهم، وعادة لا تستنكر في خطابهم. وقيل في الحديث: إنَّه إذا سرق البيضة أو الحبل ربما حمله ذلك على أن يسرق ما يقطع فيه، لأنه ربما يجترئ على سرقة غيرهما، فيعتاد ذلك فتقطع يده.
و(قوله: لعن الله السَّارق) أي: أبعده الله. وقد تقدَّم: أن أصل اللعن: الطرد، والبعد.
وفيه ما يدلّ: على جواز لعن جنس العصاة؛ لأنَّه لا بدَّ أن يكون في ذلك الجنس من يستحق ذلك اللعن، أو الذم، أو الدُّعاء عليه. وليس كذلك العاصي المعيَّن؛ لأنَّه قد لا يستحق ذلك، فيعلم الله أنَّه يتوب من ذلك، فلا يستحق ذلك اللعن بذلك.
وقد ذهب بعض النَّاس: إلى أنَّه يجوز لعن المعيَّن من أهل المعاصي ما لم يُحَدّ. فإذا حدّ لم يجز؛ لأن الحدود كفارة. وهذا فاسد؛ لأنَّ العاصي المؤمن لم يخرج بمعصيته عن اسم المؤمن. وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: (لعن المؤمن كقتله) (¬1). وقد نهي عن اللَّعن. وهو كثير. وقد نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن لعن الملقب بـ (حمار) الذي كان يشرب الخمر كثيرًا، فلعنه بعضهم، فنهاهم النبي - صلى الله عليه وسلم - عن لعنه (¬2). وهو صحيح
¬__________
(¬1) رواه البخاري (6652)، ومسلم (110)، وأبو داود (3257)، والترمذي (2638)، والنسائي (7/ 5 - 6).
(¬2) رواه البخاري (6780).

الصفحة 74