كتاب المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (اسم الجزء: 5)

بِخَيبَرَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ لِمُحَيِّصَةَ: كَبِّر كَبِّر. يُرِيدُ السِّنَّ - فَتَكَلَّمَ حُوَيِّصَةُ، ثُمَّ تَكَلَّمَ مُحَيِّصَةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: إِمَّا أَن يَدُوا صَاحِبَكُم، وَإِمَّا أَن يُؤذِنُوا بِحَربٍ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ففيه من الفقه: أن المشتركين في طلب حقّ ينبغي لهم أن يقدِّموا للكلام واحدًا منهم، وأحقهم لذلك أسنُّهم؛ إذا كانت له أهلية القيام بذلك. وهذا كما قال في الإمام (¬1): فإن كانوا في الفقه (¬2) سواءً فأقدمهم سنًّا. وقد قدَّمنا أنَّ كبر السنِّ لم يستحق التقديمَ إلا من حيث القدم في الإسلام، والسبق إليه، والعلم به، وممارسة أعماله وأحواله، والفقه فيه، ولو كان الشيخُ عَرِيًّا عن ذلك لاستحق التأخير، ولكان المتصفُ بذلك هو المستحق للتقديم - وإن كان شابا -، وقد قدِم وفدٌ على عمر بن عبد العزيز، فتقدَّم شابٌّ للكلام، فقال عمرُ له: كبِّر، كبِّر. فقال: يا أمير المؤمنين! لو كان الأمرُ بالسنِّ لكان هنا من هو أولى بالخلافة منك! فقال: تكلَّم. فتكلم فأبلغ، فأوجز.
و(قوله - بعد سماع كلام المدَّعين -: (إمَّا أن يَدُوا صاحبكم، وإمَّا أن يُؤذِنُوا بحربٍ) هذا الكلامُ من النبي - صلى الله عليه وسلم - على جهة التأنيس، والتسلية لأولياء المقتول، وعلى جهة الإخبار بالحكم على تقدير ثبوت القتل عليهم. لا أن ذلك كان حكمًا من النبي - صلى الله عليه وسلم - على اليهود في حال غيبتهم، فإنَّه بَعدُ لم يسمع منهم، ولا حضروا حتى يسألهم. ولذلك كتبَ إليهم بعد أن صدر منه ذلك القول. ثم إن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد أن سمعَ الدعوى لم يستحضر المدَّعى عليهم إليه.
وفيه من الفقه: أنَّ مجرَّدَ الدَّعوى لا يُوجب إحضارَ المدَّعى عليه؛ لأنَّ في إحضاره منعًا له من أشغاله، وتضييعًا لما له من غير مُوجبٍ ثابتٍ. فلو ظهرَ هنالك
¬__________
(¬1) أي: من له حقُّ التقدُّم في الإمامة في الصلاة.
(¬2) في (ل 1) و (ج 2): السنة.

الصفحة 9