كتاب المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (اسم الجزء: 5)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وظاهر هذا الحديث: أن السَّكران مثل المجنون في عدم اعتبار إقراره، وأقواله. وبه قالت طائفة من أهل العلم. وقالت طائفة أخرى، وهو مالك، وجل أصحابه: يؤخذ بإقراره؛ لأنه لا يعرف المتساكر من السَّكران، ولأنَّه لَمَّا كان مختارًا لإدخال السُّكر على نفسه صار كأنه مختار لما يكون في سكره. وهذا مع أنا نقول: إن من ذهب عقله حتى لا يميز شيئًا فليس بمكلَّف، ولا مخاطب خطاب تكليف في تلك الحال بالإجماع، على ما حكاه ابن العربي. وإنَّما يتعلَّق به خطاب الإلزام المسمَّى بخطاب الوضع والإخبار؛ على ما بيَّناه في الأصول.
واعترافه على نفسه أربع مرَّات يَستدلُ به من يشترط في قبول إقرار الزاني العدد. وهم: الحكم، وابن أبي ليلى، وأحمد، وإسحاق، وأصحاب الرأي؛ فقالوا: لا يقام عليه الحدّ إلا إذا أقرَّ على نفسه أربع مرَّات تمسُّكًا بهذا الحديث، وبأن الإقرار بالزنى كالشهادة عليه، وقد انعقد الإجماع: على أن شهود الزنى أربعة، فيكون الإقرار أربعة. ومن هؤلاء من شرط أن تكون الأربع الإقرارات في مجلس واحد. وإليه ذهب ابن أبي ليلى، وأحمد. وقال أصحاب الرأي: إذا أقرَّ أربع مرَّات في مجلس واحد فهو بمنزلة مرة واحدة.
قلت: والأوَّل مقتضى قياس الإقرار بالزنى على الشهادة به، وعلى القول الثاني يمتنع الإلحاق.
والصحيح: أنَّه لا يشترط في الإقرار بالزنى، ولا غيره عدد. وهو مذهب الجمهور: مالك، والشافعي، وأبي ثور. وبه قال الحسن، وحمَّاد. والدَّليل على صحة ذلك: أنه - صلى الله عليه وسلم - رجم الغامدية بإقرارها مرة واحدة، ولم يستعد منها الإقرار، ولقوله - صلى الله عليه وسلم -: (واغدُ يا أنيس على امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها) (¬1) ولم يأمره أن
¬__________
(¬1) سيأتي تخريجه في التلخيص برقم (2087).

الصفحة 90