كتاب المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (اسم الجزء: 5)

أَحَاطَت بِهِ خَطِيئَتُهُ، وَقَائِلٌ يَقُولُ: مَا تَوبَةٌ أَفضَلَ مِن تَوبَةِ مَاعِزٍ، إنَّهُ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَوَضَعَ يَدَهُ فِي يَدِهِ، ثُمَّ قَالَ: اقتُلنِي بِالحِجَارَةِ، قَالَ: فَلَبِثُوا بِذَلِكَ يَومَينِ أَو ثَلَاثَةً، ثُمَّ جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَهُم جُلُوسٌ فَسَلَّمَ، ثُمَّ جَلَسَ فَقَالَ: استَغفِرُوا لِمَاعِزِ بنِ مَالِكٍ. قَالَ: فَقَالَوا: غَفَرَ اللَّهُ لِمَاعِزِ بنِ مَالِكٍ، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: لَقَد تَابَ تَوبَةً لَو قُسِمَت بَينَ أُمَّةٍ لَوَسِعَتهُم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
يدلّ على أنه أراد أن يردَّ إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - لا سيما وقد صرح بذلك في حديث جابر، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (فهلا تركتموه، وجئتموني به)، فاستنبط منه كثير من العلماء: أن المعترف بما يجب عليه من الحد إن رجع عن إقراره مطلقًا لم يُحدَّ، وممن ذهب إلى هذا: عطاء، ويحيى بن يعمر، والزهري، وحمَّاد، والثوري، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، والنعمان، ومالك في رواية القعنبي. وقيل: لا ينفعه رجوعه مطلقًا. وبه قال سعيد بن جبير، والحسن، وابن أبي ليلى، وأبو ثور. وهي رواية ابن عبد الحكم عن مالك. وقال أشهب: قال مالك: إن جاء بعذر قُبل منه، وإلا لم يقبل ذلك منه.
قلت: وليس في شيء من هذه الروايات ما ينصّ على أنَّه - صلى الله عليه وسلم - كان يقبل رجوعه مطلقًا لا سيما مع قول جابر: ليستثبت في أمره، فأمَّا لترك حدّ فلا. ولعلَّه كان يستدعي منه النبي - صلى الله عليه وسلم - الرُّجوع إلى شبهة كما صار إليه مالك في رواية أشهب. وهذا القول أعجب ما في هذه المسألة.
إنَّه إن رجع إلى شبهة درئ عنه الحد، وإلا فلا. وقد قال أحمد بن حنبل، وأبو ثور: إذا هرب تُرك اتِّباعًا لهذه الزيادة. وقاله بعض أصحابنا. وقال: إن وُجد بالفور كمل عليه الحد. وإن وجد بعد زمان تُرِكَ.
و(قوله: فلبثوا بذلك يومين أو ثلاثة) الإشارة بـ (ذلك) إلى ما وقع لهم من الاختلاف في شأن ماعز؛ يعني: أنَّهم بقوا كذلك إلى أن تبيَّن لهم حاله بقوله:

الصفحة 93