كتاب موسوعة مواقف السلف في العقيدة والمنهج والتربية (اسم الجزء: 5)

رجلاً شهد عند بعض الحكام على شيء تافه نزر، فقال له الحاكم: لست أعرفك ولكني أسأل عنك ثم أسمع شهادتك، فقال له: إنك لن تسأل عني أعلم بي مني، أنا رجل زكي عدل مأمون رضي جائز الشهادة ثابت العدالة. أليس كان قد أخبر عن نفسه بضعف بصيرته وقلة عقله بما دل الحاكم على رد شهادته وأغناه عن المسألة عنه؟ فما ظنك بمن قطع على نفسه بحقائق الإيمان التي هي من أوصاف النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحكم لنفسه بالخلود في جنات النعيم. ويصح الاستثناء أيضاً من وجه آخر يقع على مستقبل الأعمال ومستأنف الأفعال وعلى الخاتمة وبقية الأعمار، ويريد أني مؤمن إن ختم الله لي بأعمال المؤمنين، وإن كنت عند الله مثبتاً في ديوان أهل الإيمان، وإن كان ما أنا عليه من أفعال المؤمنين أمراً يدوم لي ويبقى علي حتى ألقى الله به، ولا أدري هل أصبح وأمسي على الإيمان أم لا؟ وبذلك أدب الله نبيه والمؤمنين من عباده. قال تعالى: {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (23) إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} (¬1) فأنت لا يجوز لك إن كنت ممن يؤمن بالله وتعلم أن قلبك بيده يصرفه كيف شاء أن تقول قولاً جزماً حتماً إني أصبح غداً مؤمناً ولا تقول إني أصبح غداً كافراً ولا منافقاً إلا أن تصل كلامك بالاستثناء فتقول إن شاء الله. فهكذا أوصاف العقلاء من المؤمنين.
حدثنا أبو الحسين إسحاق بن أحمد الكاذي، قال: حدثنا عبد الله بن أحمد، قال: حدثني أبي، قال: حدثنا عبد الملك بن عمرو، قال: حدثنا موسى
¬_________
(¬1) الكهف الآيتان (23و24).

الصفحة 499