كتاب موسوعة مواقف السلف في العقيدة والمنهج والتربية (اسم الجزء: 5)

عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ قَالُوا لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ} (¬1).
فاعترف أهل النار بأن الله عز وجل منعهم الهداية، وأنه لو هداهم اهتدوا؛ فاسمعوا رحمكم الله إلى كتاب ربكم، وانظروا هل تجدون فيه مطمعاً لما تدعيه القدرية عليه من نفي القدرة والمشيئة والإرادة عنه وإضافة القدرة والمشيئة إلى أنفسهم، وتفهموا قول الأنبياء لقومهم وكلام أهل النار واعتذار بعضهم إلى بعض بمنع الله الهداية لهم، والله عز وجل يحكي ذلك كله عنهم غير مكذب لهم ولا راد ذلك عليهم. واعلموا رحمكم الله أن الله عز وجل أرسل رسله مبشرين ومنذرين وحجة على العالمين، فمن شاء الله تعالى له الإيمان؛ آمن، ومن شاء الله أن يكفر؛ كفر، فلم يجب الرسل إلى دعوتهم ولم يصدقهم برسالتهم إلا من كان في سابق علم الله أنه مرحوم مؤمن، ولم يكذبهم ويرد ما جاءوا به إلا من قد سبق في علم الله أنه شقي كافر، وعلى ذلك جميع أحوال العباد صغيرها وكبيرها، كلها مثبتة في اللوح المحفوظ والرق المنشور قبل خلق الخلق؛ فالأنبياء ليس يهتدي بدعوتهم ولا يؤمن برسالتهم إلا من كان في سابق علم الله أنه مؤمن بهم، ولقد حرص الأنبياء وأحبوا الهداية والإيمان لقوم من أهاليهم وآبائهم وأبنائهم وذوي أرحامهم؛ فما اهتدى منهم إلا من كتب الله له الهداية والإيمان، ولقد عوتبوا في ذلك بأشد العتب، وحسبك بقول نوح عليه السلام: {رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي} (¬2)، وبجواب الله
¬_________
(¬1) إبراهيم الآية (21).
(¬2) هود الآية (45).

الصفحة 510