كتاب موسوعة مواقف السلف في العقيدة والمنهج والتربية (اسم الجزء: 5)

فإن قال هؤلاء القوم، فإنكم قد أنكرتم الكلام، ومنعتم استعمال أدلة العقول، فما الذي تعتمدون في صحة أصول دينكم، ومن أي طريق تتوصلون إلى معرفة حقائقها، وقد علمتم أن الكتاب لم يعلم حقه، والنبي لم يثبت صدقه إلا بأدلة العقول، وأنتم قد نفيتموها. قلنا: إنا لا ننكر أدلة العقول، والتوصل بها إلى المعارف، ولكنا لا نذهب في استعمالها إلى الطريقة التي سلكتموها في الاستدلال بالأعراض، وتعلقها بالجواهر وانقلابها فيها على حدوث العالم، وإثبات الصانع، ونرغب عنها إلى ما هو أوضح بيانا، وأصح برهانا، وإنما هو شيء أخذتموه عن الفلاسفة، وإنما سلكت الفلاسفة هذه الطريقة، لأنهم لا يثبتون النبوات، ولا يرون لها حقيقة، فكان أقوى شيء عندهم في الدلالة على إثبات هذه الأمور ما تعلقوا به من الاستدلال بهذه الأشياء.
فأما مثبتو النبوات فقد أغناهم الله عز وجل عن ذلك، وكفاهم كلفة المؤنة في ركوب هذه الطريقة المنعرجة التي لا يؤمن العنت على راكبها، والإبداع والانقطاع على سالكها.
وبيان ما ذهب إليه السلف من أئمة المسلمين رحمة الله عليهم في الاستدلال على معرفة الصانع، وإثبات توحيده وصفاته، وسائر ما ادعى أهل الكلام أنه لا يتوصل إليه إلا من الوجه الذي يزعمونه، هو أن الله سبحانه لما أراد إكرام من هداه لمعرفته بعث رسوله محمداً - صلى الله عليه وسلم - إليهم بشيراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً. وقال له: {* يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ

الصفحة 522