كتاب شرح كتاب سيبويه (اسم الجزء: 5)

سيبويه التاء بلسانه، وأخفى فقال: ألا ترى كيف يمكن تكرار الطاء والدال وهما من مخرج التاء فلم يمكن وأحسبه ذكر ذلك عن الخليل قال سيبويه، وإنما فرق بين المجهور والمهموس أنك لا تصل إلى تبيين المجهور ولا أن يدخله الصوت الذي يخرج من الصدر فالمجهور كلها هكذا يخرج صوتهن من الصدر، ويجري في الحلق غير أن الجيم والنون تخرج أصواتهما من الصدر وتجري في الصدر والخيشوم فيصير ما جرى في الخيشوم غنة
يخالط ما جرى في الحلق، والدليل على ذلك أنك لو أمسكت بأنفك ثم تكلمت بهما رأيت ذلك قد أخل بهما.
وأما المهموسة فتخرج أصواتها من مخارجها، وذلك مما يزجي الصوت ولم يعتمد عليه فيها كاعتمادهم في المهموز فأخرج الصوت من الفم ضعيفا والدليل على ذلك أنك إذا أخفيت همست بهذه الحروف ولا تصل إلى ذلك في المجهور؛ فإذا قلت شخص فإن الذي أزجى هذه الحروف صوت الفم، ولكنك تتبع صوت الصدر هذه الحروف بعد ما يزجها صوت الفم ليبلغ ويفهم بالصوت فالصوت الذي من الصدر هاهنا نظير ذلك الصوت الذي ترفعه بعد ما يزجي صوت الصدر ألا ترى أنك ت قول قام فإن شئت أخفيت وإن شئت رفعت صوتك؛ فإذا رفعت صوتك فقد أحدثت صوتا آخر.
قال أبو إسحاق: معنى جهرت أعلنت وأظهرت وكشفت ومعنى همست أخفيت فليس في الطاقة حرف يمتنع من أن يجهر به، وفي الحروف ما لا ينطق به إلا مجهورا وهي التسعة عشر حرفا فمتى رمت أن تنطق بشيء منها لم يتهيأ لك أن تأتي به خفيا فرم ذلك في العين والقاف والطاء والداء؛ فإنه يمتنع ولا يسمع إلا مجهورا، ومنها ما يتهيأ لك أن تنطق به ومسمع عنك خفيا، وهي الأحرف العشرة فرم ذلك في التاء؛ فإنك تجده وذلك قولك ت ت ت فهذه تسمع منك خفية وإن شئت جهرت بها وأخواتها أيضا يجرين مجراها في أنه يتهيأ أن يسمعن خفيات وهن مع هذا يختلفن لما فيهن من الرخاوة والشدة والتاء أثبتهن في الهمس.

باب الإدغام في الحرفين اللذين تضع لسانك بهما موضعا لا يزول عنه
وقد بينا أمرهما إذا كانا في كلمة لا يفترقان، وإنما بينتهما في الانفصال؛ فأحسن ما يكون الإدغام في الحرفين المتحركين اللذين هما سواء إذا كانا منفصلين أن تتوالى خمسة أحرف تحرك بهما فصاعدا.
ألا ترى أن بنات الخمسة وما كان عدته خمسة لا تتوالى حروفها متحركة استثقالا

الصفحة 396