كتاب شرح كتاب سيبويه (اسم الجزء: 5)

يرى أن حروف الصفير والصاد يدغمن في غيرهن كما أن النون تدغم في غيرها أو يكون ساكنا في ذلك طالبا للفرق فإن كان يرى أن النون لا تدغم في غيرها فذلك مخالف لمذهبه ومذهب أصحابه.
والقراء في إدغام النون في خمسة أحرف قد ذكرناهن يجمعهن ويرمل ومذهب العرب هو الحجة في ذلك، وحسب مخطئ العرب في لغتها بتخطئته إياها وإن كان يرى أن يدغم حروف الصفير في غيرها فينبغي أن يقول في اصطعط وهو من الصعوط اصعط ويقول في اصطبر اطبر والذي قالته العرب إذا آثروا الإدغام اصعط واصبر.
وقد حكى الفراء عليك بأبوال الإبل فاصطعطها، وقد قرئ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً وهو إدغام من يصطلحا ولم يقل أحد بطلحاء ولا فاطعطها وإن كان شاكا طالبا للفرق ففيما ذكرنا من الحجة كفاية ونذكر فرقا بينهما لمن تدبره إن شاء الله، وهو أن النون مبتدأ مخرجها ومفتحها من الخيشوم إذا وقعت عليها أو حركتها أو أدغمتها في نون أو كانت ساكنة وبعدها حروف الحلق؛ فإن منتهاها من الفم في مخرج النون الذي يقارب مخرج الراء واللام، وإن كان بعدها الخمسة عشر التي تخفي معها، وهي مقصورة على الخيشوم لا تجاوزه إلى موضعها فهي في هذه الحالة أضعف منها إذا تجاوزت الخيشوم إلى الفم؛ فإذا أدغمت ازدادت قوة لأن حروف الفم أقوى، وهذه إذا تجاوزت الخيشوم إلى الفم أقوى منها إذا انفردت بالخيشوم؛ فليست تسلب إلا صوتا ضعيفا الذي
صارت إليه أقوى من الذي سلبته وليس كذلك حروف الصفير لأنها من الفم وأصوبها فأشبه رخوة جارية تزيد فشوا على غيرها من حروف الفم.
وقال الفراء: العنبر وكل نون ساكنة قبل الباء مخفى أخفيت النون قبل الباء، والذي قال سيبويه والبصريون الها ميم وهو الصحيح، ويمكن أن تجعل نونا إلا أنها إذا جعلت نونا فلا بد من بيانها كما تبين النون الساكنة قبل الحاء والهاء والعين لا يمكن إخراجها على مثال إخراجها قبل الكاف والقاف؛ فإن ادعى مدع أنها نون مخفاة غير بينة وهي ساكنة بعد هاء ياء قيل له: اجعلها ميما؛ فإذا جعلها ميما؛ فانظر هل بينها وبين النون المخفاة فرق لا يوجد فرق بينهما إذا تأملته وإذا كانت مخفاة مع الباء فهي بمنزلتها مع القاف والكاف ونحوهما، والذي شدد أدى مثله إلا الميم فإنها إذا شددت أدت نونا؛ فلذلك أدغمت في الميم ولم تدغم في أختها يعني الباء، وإنما امتنعت الباء أن تؤدي ما أدت الميم أن الشفتين ينضمان بالباء انضمام الأخرس الذي لا صوت له وضعف الانضمام بالميم فأدت النون من الأنف.

الصفحة 465