كتاب فيض الباري على صحيح البخاري (اسم الجزء: 5)

5271 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِىِّ قَالَ أَخْبَرَنِى أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ أَتَى رَجُلٌ مِنْ أَسْلَمَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهْوَ فِى الْمَسْجِدِ فَنَادَاهُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ الأَخِرَ قَدْ زَنَى - يَعْنِى نَفْسَهُ - فَأَعْرَضَ عَنْهُ فَتَنَحَّى لِشِقِّ وَجْهِهِ الَّذِى أَعْرَضَ قِبَلَهُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ الأَخِرَ قَدْ زَنَى فَأَعْرَضَ عَنْهُ فَتَنَحَّى لِشِقِّ وَجْهِهِ الَّذِى أَعْرَضَ قِبَلَهُ فَقَالَ لَهُ ذَلِكَ فَأَعْرَضَ عَنْهُ فَتَنَحَّى لَهُ الرَّابِعَةَ، فَلَمَّا شَهِدَ عَلَى نَفْسِهِ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ دَعَاهُ فَقَالَ «هَلْ بِكَ جُنُونٌ». قَالَ لاَ. فَقَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - «اذْهَبُوا بِهِ فَارْجُمُوهُ». وَكَانَ قَدْ أُحْصِنَ. أطرافه 6815، 6825، 7167 - تحفة 15158، 13148
5272 - وَعَنِ الزُّهْرِىِّ قَالَ أَخْبَرَنِى مَنْ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِىَّ قَالَ كُنْتُ فِيمَنْ رَجَمَهُ فَرَجَمْنَاهُ بِالْمُصَلَّى بِالْمَدِينَةِ، فَلَمَّا أَذْلَقَتْهُ الْحِجَارَةُ جَمَزَ حَتَّى أَدْرَكْنَاهُ بِالْحَرَّةِ، فَرَجَمْنَاهُ حَتَّى مَاتَ. أطرافه 5270، 6814، 6816، 6820، 6826، 7168 - تحفة 3169 - 60/ 7
والإِغلاق لفظ حديث ابن ماجه، واختُلف في شَرْحه، قيل: هو الإِكراه، وقيل: الجنون، والمتبادِر من لفظه هو الأَوّل، والأكثرون في طلاق المُكْره، إلى أنه لا يقع، ويقع (¬1) عندنا. ومَرّ عليه السُّهيلي في «الروض الأُنف» وصرح أنَّ الوَجْه الفِقْهي يؤيِّدُه، وقَوّى مذهب الحنفية.
قلتُ: وقد رَخّص الحنفية بالتوريةِ (¬2)، فاعتبروا توريتَه ديانةً وقضاءً، فقد أخرجوا له سبيلًا، إلَّا أنه إذا عجز واستحمق هو، ولم يعمل بما رُخِّص به، فكيف لا نعتبرُ بطلاقه؟ وراجع «شرح الوِقاية» (¬3).
قوله: (السَّكْران) "نشه والا"، وليست ترجمته "بيوش"، ولنا في السُّكر من الحَرَام قولان، فإِن كان من الحلالِ لا يقعُ طلاقُه، قولًا واحدًا.
قوله: (والغَلَط) وهو الخطأ، أي أراد أن يسبِّح اللَّهَ، فسبق على لسانه ذِكْر الطلاق.
¬__________
(¬1) وفي "البِناية" و"عُمدة القاري" أنَّ مَذْهبنا مذهبُ عُمر، وعلي، وعبد الله بن عُمر رضي الله عنهم، وبه قال الشَّعبي، وابنُ جُبير، والنَّخعي، والزُّهري، وسعيد بن المُسيَّب، وشُرَيح القاضي، وأبو قِلابة، وقَتادة، والثَّوري، وراجع "المعالم".
(¬2) قال الخطّابي: قال أصحابُ الشافعي في الكُره: إنما لا يمضي طلاقُه إذا وَرّى عنه بشيء، مثل أن ينوي طلاقًا من وَثاق، أو نحوه، كما يُكْره على الكُفْر، فيؤدِّي وهو يعتقِدُ بقلبه الإِيمان. اهـ "معالم". قلتُ: وحينئذ فليحرر الفَرْق بينه وبيننا.
(¬3) قال ابن رُشد: وسببُ الخلافِ هل المُطلّقِ من قبل الإِكراه مختارٌ أم ليس بمختار؟ لأنه ليس يُكْره على اللفظ إذا كان اللفظُ إنما يقع باختيارِه، والمُكْره على الحقيقةِ، هو الذي لم يكن له اختيار في إيقاع شيءِ أصلًا. اهـ "بداية المجتهد". وراجع "الجَوْهر النَّقي".

الصفحة 584