كتاب المآخذ على شراح ديوان أبي الطيب المتنبي (اسم الجزء: 5)

تَبْكي على الأنْصُلِ الغفُمُودُ إذا ... أنْذَرَهَا إنه يُجَرِّدُهَا
لِعِلْمِهَا أنَّها تَصِيرُ دَماً ... وإنه في الرِّقابِ يُغْمِدُهَا
قال: يقول: إذا أنذر الغمود بتجريد السيوف، بكت عليها، لعلم الغمود إنه يغمس السيوف في رقاب الاعداء، حتى تصير كأنها دم، لخفاء لونها بلون الدم؛ وإنه يتخذ لها أغمادا من رقاب الأعداء؛ أي: أنها لا تعود إلى الغمود فلذلك تبكي عليها.
وأقول: لو أتم ذلك بأن قال: للمصاحبة التي بينهما؛ لأن المصاحب يبكي لفراق مصاحبه، لأفاد وأجاد.
وهذان البيتان، يُرى كان الثاني منهما تتمة للاول؛ يزيد في معناه، أو لا معنى له من دونه، وليس الأمر كذلك بل إذا انفرد البيت الأول من الثاني، كان مستقلا بنفسه واكمل معنى؛ وبيانه: إنه إذا انذر الغمود إنه يُجرد السيوف، بكت عليها لعلمها بالعادة إنه سيقتلها في جسم القتيل بها، لما ذكرنا من الصحبة التي بينهما. وإذا اتصل بالبيت الثاني كان المعنى أن الغمود تبكي لفراقها، لكونها تصير في غمود غيرها وهي الرقاب، والبكاء على الفاني الماضي أولى من البكاء على الباقي النائي، والمديح به اكمل والمعنى اجمل.
وقوله: المنسرح
تَنْقَدِحُ النَّارُ من مَضَاربها ... وصَبُّ مَاءِ الرِّقابِ يُخْمِدُهَا

الصفحة 13