كتاب المآخذ على شراح ديوان أبي الطيب المتنبي (اسم الجزء: 5)

قال: إنها تصير إلى الأرض لشدة الضرب فتوري النار، ثم يُخمدها ما ينصب من الدماء عليها.
وأقول: لم يُرد بمضاربها ضربها وإنما أراد حدودها، فالنار تنقدح منها لعتقها وجودتها وحسن جوهرها، لا بالضرب والإيراء بالبلوغ إلى الأرض؛ لأنها لا توري النار إلا وقد سبقت الدماء، ومستحيل الإيراء مع صب الدماء، فينبغي أن يكون انقداح النار منها قبل الضرب بها وصب ماء الرقاب عليها. وإذا كانت السيوف قد شُبهت كلها بالنار فالأولى أن تُشبه حدودها بالنار، أو تُجعل النار تنقدح منها.
وقوله: المنسرح
قد أجمْعَتْ هَذه الخَليقةُ لي ... أنَّكَ يا ابْنَ النَّبيَّ أوْحَدُهَا
قال: أجمعت الخليقة موافقة لي، أنك أوحدها. ويجوز أن يكون على التقديم والتأخير؛ أي: أوحدها إحساناً إليَّ وأفضالاً عليَّ، ولا يكون في هذا كبير مدح. ويجوز أن يكون: أجمعت فقالت لي؛ لأن القول يُضمر كثيرا.
وأقول: هذه الوجوه كلها تخيلات على تقرير قوله: لي، وهي أينما قُررت قلقة مضطربة، ولو إنه قال:
قَدْ أجْمَعتْ سَادةُ الأنام معي ... . . . . . .
أو:
. . . . . . الكرام. . . . . . ... . . . . . .
لهجر التكلف وأمن التعسف.

الصفحة 14