كتاب المآخذ على شراح ديوان أبي الطيب المتنبي (اسم الجزء: 5)

وقوله: البسيط
قد اشْتَكَتْ وَحْشَةَ الأحْيَاءِ أرْبُعُهُ ... وخَبَّرَتْ عن أسَى المَوْتَى مَقَابِرُهُ
قال: لما غاب الأمير عن البلد، حزن لغيبته الأحياء حتى أحست بذلك دورهم، وكذلك الموتى، حزنوا حتى أخبرت المقابر عن حزنهم.
وأقول: إن قوله: أحست بذلك دورهم ليس بشيء، ولو قال: استوحش لغيبته الأحياء حتى سرت الوحشة إلى منازلهم فاشتكت ذلك بلسان الحال. وكذلك يقال في الموتى في مقابرهم لكان حسنا، وكان في هذا البيت من المجاز والاستعارة ما في قوله تعالى: (إنا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنسَانُ إنه كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً). كأنه يقوله - والله أعلم -: لو إن هذه الأشياء مما يعقل وعُرض عليها حمل الأمانة لأشفقت من حملها لعظمها. وكذلك يقال في الاربع، والمقابر، لو إنها مما ينطق لأخبرت عن وحشة الأحياء وأسى الموتى.
وقوله: البسيط
وَجدَّدَتْ فَرَحاً لا الغَمُّ يَطْرُدُهُ ... ولا الصَّبَابَةُ في قَلْبٍ تُجَاوِرُهُ
قال: عودة دولته جددت فرحا لا يغلبه الغم، ولا تجاوره شدة الشوق بعد هذا الفرح في قلب؛ أي لا تسكنه لامتلاء كل قلب بهذا الفرح لا يكون م فيه موضع
للعشق.

الصفحة 37