قيل لهم: ولا يمنع من غيرها وأنتم أهل قياس فقيسوا، فإن لم تقيسوا على الآية ما هو أكثر منها، فلا تقيسوا على هذِه الآية غيرها، فإن ذكروا قوله -عز وجل-: {لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (79)} [الواقعة: 79]
قلنا: لا حجة فيه؛ لأنه ليس أمرًا، وإنما هو خبر، والرب تعالى لا يقول إلا حقًّا، ولا يجوز أن يصرف لفظ الخبر إلى معنى الأمر إلا بنص جليٍّ أو إجماع متيقن، فلما رأينا المصحف يمسه الطاهر وغيره علمنا أنه لم يعن المصحف، وإنما عنى كتابًا آخر عنده كما جاء، عن سعيد بن جبير في هذِه الآية، هم الملائكة الذين في السماء (¬1)، وعن سلمان أنه الذكر في السماء لا يمسه إلا الملائكة (¬2).
وكان علقمة إذا أراد أن يتخذ مصحفًا أمر نصرانيًّا فنسخه له (¬3).
ثم نقل عن أبي حنيفة أنه لا بأس أن يحمل الجنب المصحف بعلاقته، وغير المتوضئ عنده كذلك (¬4)، وأبى ذلك مالك إلا إن كان في خرج أو تابوت، فلا بأس أن يحمله الجنب واليهودي والنصراني (¬5).
¬__________
(¬1) رواه الطبري 11/ 659 (33538 - 33540)، وابن أبي داود في "المصاحف" ص 215، وعزاه السيوطي في "الدر المنثور" 6/ 232 لعبد بن حميد وابن أبي داود في "المصاحف" وابن المنذر.
(¬2) عزاه السيوطي 6/ 232 لعبد الرزاق وابن المنذر.
(¬3) رواه ابن حزم 1/ 84.
(¬4) انظر: "بدائع الصنائع" 1/ 34، "تبيين الحقائق" 1/ 57، "الهداية" 1/ 33.
(¬5) انظر: "التفريع" 1/ 212، "الاستذكار" 8/ 11 (10333 - 10334)، "عقد الجواهر الثمينة" 1/ 50. قال ابن عبد البر: يريد أن يكون المصحف في وعاء قد جمع أشياء منها المصحف فلم يقصد حامل ذلك الوعاء إلى حمل المصحف خاصة، وأما إذا كان المصحف وحده في أي شيء كان وقصد إليه حامله وهو غير طاهر لم يجز.