كتاب الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج (اسم الجزء: 5)

وَسَأُخْبِرُكُمْ عَنْ ذَلِكَ. مَا الْمُسْلِمُونَ فِي الْكُفَّارِ إِلا كَشَعْرَةٍ بَيضَاءَ فِي ثَوْرٍ أَسْوَدَ، أَوْ كَشَعْرَةٍ سَوْدَاءَ فِي ثَوْرٍ أبْيَضَ"
ــ
إذا قاسمته فأخذتَ نصف ما في يديه. قال القرطبي: وهذا المرجو محقق الحصول لقوله تعالى {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى (٥)} ولحديث "إنا سنرضيك في أمتك" وإنما قال صلى الله عليه وسلم: أرجو أدبًا ووقوفًا مع العبودية اهـ، قال الأبي: المحقق حصوله إنما هو دخول الجنة وكونهم الشطر غير محقق فلا يمتنع أن يكون الرجاء على بابه، قال النواوي: ولم يخبرهم أنهم النصف ابتداءَ لأن التدريج أوقع في النفس وأبلغ في الإكرام لأن الإعطاء مرة بعد أخرى دليل الاعتناء بالمعطى أو ليتكرر منهم عبادة الشكر أو لعله كذلك أوحي إليه ووجه الوحي به كذلك ما ذكر اهـ.
(وسأخبركم عن ذلك) أي عن سبب كونكم شطر أهل الجنة وأقول لكم في بيانه (ما المسلمون) أي ما نسبة المسلمين (في الكفار) أي بالنسبة إلى كثرة الكفار (إلا كـ) نسبة (شعرة بيضاء في) جلد (ثور أسود) إلى سائر شعوره (أو) قال النبي صلى الله عليه وسلم أو الراوي عنه إلا (كـ) نسبة (شعرة سوداء في) جلد (ثور أبيض) بالنسبة إلى سائر شعوره، والشك من الراوي أو ممن دونه، قال الأبي: أتى بهذه الجملة توجيهًا لكونهم الشطر (فإن قلت) لا يتوجه به بل يُبعده لأنهم إذا كانوا كالشعرة المذكورة فكيف يكونون الشطر (قلت) أسقط الراوي في هذا الطريق ما يتم به التوجيه وهو قوله في الطريق الآخر لا يدخل الجنة إلا المؤمنون أي لا تستبعدوا كونهم الشطر مع أنهم كالشعرة المذكورة لأنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون وهم من المؤمنين الشطر. اهـ. وعبارة النواوي هنا (وأما قوله صلى الله عليه وسلم ربع أهل الجنة ثم ثلث أهل الجنة ثم الشطر) ولم يقل أولًا شطر أهل الجنة فلفائدةٍ حسنةٍ وهي أن ذلك أوقع في نفوسهم وأبلغ في إكرامهم فإن إعطاء الإنسان مرة بعد أخرى دليل على الاعتناء به ودوام ملاحظته، وفيه فائدة أخرى هي تكرير البشارة مرة بعد أخرى، وفيه أيضًا حملهم على تجديد شكر الله تعالى وتكبيره وحمده على كثرة نعمه والله سبحانه وتعالى أعلم.
ثم إنه وقع في هذا الحديث شطر أهل الجنة، وفي الرواية الأخرى: نصف أهل الجنة، وقد ثبت في الحديث الآخر أن أهل الجنة عشرون ومائة صفِّ هذه الأمة منها ثمانون صفًّا فهذا دليل على أنهم يكونون ثلثي أهل الجنة فيكون النبي صلى الله علية

الصفحة 155