كتاب الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج (اسم الجزء: 5)

شَطْرُ الإِيمَانِ
ــ
والفتح، قال النواوي: والمعروف أنها بالضمِّ الفعلُ وبالفتح الماءُ، وقال الخليل: ليس في طائه إلا الفتح في الأمرين ولا يعرف الضم، قال القرطبي: وهذه الوجوه كلها لغات، وأما الحديث فإنما الرواية فيه بالفتح ولا يستقيم إلا على قول الخليل ولا يستقيم على المعروف إلا بتقدير مضاف أي استعمال الطهور اهـ سنوسي بتصرف. أي التنزه والتجنب عن المستخبثات الشرعية الظاهرة والباطنة (شطر الإيمان) أي نصف الإيمان منحصر في امتثال المأمورات والمستحسنات الشرعية وفعلها والتلبس بها، وفي اجتناب المستخبثات والمنهيات الشرعية بالتنزه والتطهر منها فهذان الصنفان عُبِّر عن أحدهما بالطهارة في استعمال اللغة، وفي المفهم: والطُّهور والطهارة مصدران بمعنى النظافة تقول العرب: طَهُرَ الشيء بفتح الهاء وضمها يَطْهُر بضمها لا غير طهارةً وطُهورًا كما تقول: نَظُفَ ينظُف نظافة ونَزُه يَنْزُهُ نَزَاهَةً بضمها لا غير، وهي التنزه من المستخبثات المحسوسة والمعنوية كما قال تعالى {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} والشطر النصف وقد تقدم ويأتي أيضًا بمعنى الجهة ومنه {شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} أي جهته، ويقال: شَطَرَ عنه أي بعد وشطر إليه أي أقبل، والشاطر من الشبان البعيد من الخير، وقد اختلف في معنى قوله صلى الله عليه وسلم (الطهور شطر الإيمان) على أقوال كثيرة أحسنها أن يقال: إنه أراد بالطهور الطهارة من المستخبثات الظاهرة والباطنة، وبالشطر النصف، وبالإيمان المعنى العام كما يدل عليه قوله عليه الصلاة والسلام (الإيمان تصديق بالقلب وإقرار باللسان وعمل بالأركان) رواه الخطيب في تاريخه [٩/ ٣٨٦] وفيه عبد الله بن أحمد الطائي ليس بالمرضي، ولا شك أن هذا الإيمان ذو خصال كثيرة وأحكام متعددة غير أنها منحصرة فيما ينبغي التنزه والتطهر منه وهو كل ما نهى الشرع عنه وفيما ينبغي التلبس والاتصاف به وهو كل ما أمر الشرع به فهذان الصنفان عُبر عن أحدهما بالطهارة على مُسْتَعْمَل اللغة، وهذا كما قد روي مرفوعًا "الإيمان نصفان نصف شكر ونصف صبر" رواه الديلمي في الفردوس، والقضاعي في الشهاب، والبيهقي في الشعب من حديث أنس رضي الله عنه وفيه عتبة بن السكن متروك ويزيد بن أبان متروك أيضًا، وقيل الطهارة هنا بمعنى التطهر بالماء، والشطر بمعنى الجزء والمعنى الطهارة بالماء جزء من الإيمان أي شعبة منه كقوله النظافة من الإيمان أي شعبة منه وهذا أوضح الأقوال، وقيل إن الطهارة الشرعية لمَّا كانت تكفِّرُ الخطايا السابقة

الصفحة 168