كتاب الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج (اسم الجزء: 5)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
جهة القفا أي وضعهما على قبالة رأسه يعني الناصية وأدبر بهما أي أرجعهما من القفا إلى المقدم كما فسره في الحديث (بدأ بمقدم رأسه) قال القاضي عياض: يعني بأقبل الذهابَ إلى جهة القفا وبأدبر الرجوع منه، وقيل الواو لا تُرتب فالمعنى ثم أدبر وأقبل وقيل يعني بأقبل أنه بدأ بالناصية مارًّا إلى جهة الوجه ثم ردهما إلى القفا ثم إلى المحل الذي بدأ منه. اهـ.
قال ابن رسلان: الإقبال والإدبار يحسب هنا مرة واحدة بخلاف السعي في الحج، والحكمة في هذا الإقبال والإدبار استيعاب شعر الرأس فمن لا شعر له أو حَلَقَ لا حاجة له إلى الإدبار. اهـ.
وفي المفهم: قوله (فمسح برأسه) الباء في برأسه باء التعدية أي التي يجوز حذفها وإثباتها كقولك مسح برأس اليتيم ومسحت رأسه وسمَّيتُ ابني بمحمد ومحمدًا ولا يصح أن تكون للتبعيض خلافًا للشافعي لأن المحققين من أئمة النحويين البصريين وأكثر الكوفيين أنكروا ذلك ولأنها لو كانت للتبعيض لكان قولك مسحت برأسه كقولك مسحت ببعض رأسه ولو كان كذلك لما حسن أن تقول: مسحت ببعض رأسه ولا برأسه بعضه لأنه كان يكون تكريرًا ولا مسحت برأسه كله لأنه كان يكون مناقضًا له ولو كانت للتبعيض لما جاز إسقاطها هنا فإنه يقال: مسحت برأسه ومسحت رأسه بمعنىً واحدٍ وأيضًا فلو كانت مُبَعِّضَةً في مسح الرأس في الوضوء لكانت مبعضة في مسح الوجه في التيمم لتساوي اللفظين في المحلين فإذا لم تكن كذلك في مسح الوجه في التيمم فلا تكون كذلك في مسح الرأس في الوضوء، ومذهب مالك وجوب تعميم مسح الرأس تمسكًا باسم الرأس فإنه اسم للعضو بجملته كالوجه وتمسكا بهذه الأحاديث.
قال النواوي: والإقبال والإدبار في مسح الرأس مستحب باتفاق العلماء فإنه طريق إلى استيعاب الرأس ووصول الماء إلى جميع شعره، قال أصحابنا: وهذا الرد إنما يستحب لمن كان له شعر غير مضفور أما من لا شعر على رأسه أو كان شعره مضفورًا فلا يستحب له الرد إذ لا فائدة فيه، ولو رد في هذه الحالة لم يحسب الرد مسحة ثانية لأن الماء صار مستعملًا بالنسبة إلى ما سوى تلك المسحة، وقال أيضًا: وليس في هذا الحديث دلالة لوجوب استيعاب الرأس بالمسح لأن الحديث ورد في كمال الوضوء لا فيما لا بد منه والله سبحانه وتعالى أعلم.

الصفحة 224