كتاب الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج (اسم الجزء: 5)

وَإِنَّا إِنْ شَاءَ الله، بِكُمْ لاحِقُونَ، وَدِدْتُ أنَّا قَدْ رَأَينَا إِخْوَانَنَا"
ــ
وتسليمه عليهم لبيان مشروعية ذلك وفيه معنى الدعاء لهم ويدل أيضًا على حسن التعاهد وكرم العهد وعلى دوام الحرمة. اهـ ط. وقال (ع) تسليمه صَلَّى الله عليه وسلم يحتمل أن الأجساد أُحْيِيَتْ له ورُدَّت إليها أرواحها فيسمعون كلامه كما سمعه أهل القليب ويردون عليه سلامه، وقد ذكر ابن عبد البر في التمهيد حديثًا صحيحًا عن أبي هريرة مرفوعًا قال وإما من مسلم يمر بقبر أخيه المسلم كان يعرفه في الدُّنيا فيسلم عليه إلَّا رد عليه السَّلام من قبره" ويحتمل أنَّها لم تُحْيَ، وفعله دليل على الجواز فالسلام على هذا بمعنى الدعاء، قال المازري: وسلامه صَلَّى الله عليه وسلم عليهم حجة لمن يقول الأرواح بقية لا تفنى بفناء الأجساد وجاء في غير مسلم أنَّها تزور القبور اهـ. قال الأبي: القول ببقاء الأرواح لم يختلف فيه أهل السنة وإنَّما يقول بفنائها لا الأجساد المبتدعة، والصحيح ما ذهب إليه بعض علماء المتقدمين من أن الروح جسم لطيف مُشَكَّلٌ بصورة الجسد، وقوله "دار قوم" بالنصب على الاختصاص اللغوي لا الاصطلاحي لفقدان شرط الاصطلاحي وهو تقديم ضمير المتكلم أر المخاطب أو على النداء على تقدير مضاف أي يا أهل دار قوم، والأول أظهر ويجوز خفضه على البدل من الضمير في عليكم، والمراد بالدار على هذين الوجهين الأخيرين الجماعة أو أهل الدار وعلى الأوَّل مثله أو المنزل.
وقوله (وأنا إن شاء الله بكم لاحقون) في إتيانه بالاستثناء مع أن الموت لا شك فيه أقوال للعلماء: أحدها: أنَّه امتثال لقول الله تعالى {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (٢٣) إلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الكهف: ٢٣، ٢٤] فكان يكثر من ذلك حتَّى أدخله فيما لا بد منه وهو الموت. وثانيها: أنَّه أراد إنا بكم لاحقون في الإيمان ويكون هذا قبل أن يُعْلَم بمآل أمره كما قال تعالى {وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ} [الأحقاف: ٩]. وثالثها: أن يكون استثناء في الواجب كما قال تعالى {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ} [الفتح: ٢٧] وتكون فائدته التفويض المطلق. ورابعها: أن يكون أراد لاحقون بكم في هذه البقعة الخاصة فإنَّه وإن كان قد علم أنَّه يموت بالمدينة ويدفن فيها فإنَّه قد قال للأنصار "المحيا محياكم والممات مماتكم" رواه أحمد ومسلم من حديث أبي هريرة لكن لم تُعَيَّن له البقعة التي يكون فيها إذ ذاك. وهذا الوجه أولى وأظهر من كل ما ذُكر. اهـ من المفهم.
(وددت) أي أحببت وتمنيت (أنا قد رأينا) أي إنا تمنينا رؤية (إخواننا) الذين

الصفحة 275