كتاب الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج (اسم الجزء: 5)

وَكَثْرَةُ الْخُطَا إِلَى الْمَسَاجِدِ. وَانْتِظَارُ الصَّلاةِ بَعْدَ الصَّلاةِ. فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ"
ــ
التي يتأذى معها بمس الماء، وفي الأبي: إسباغ الوضوء إكماله وإتمامه، والمكاره جمع مَكْرَهٍ بفتح الميم والراء وقد تكون المشقة لشدة البرد وألم الجسم وفوت المحبوب وتكَلُّفِ طلب الماء وشرائه بثمن غال وغير ذلك وتسخين الماء لدفع برده ليقوى على العبادة لا يمنع من حصول الثواب المذكور (وكثرة الخُطَا إلى المساجد) قال القاضي: تكون ببعد الدار عن المسجد وبكثرة التكرار إليه، والخُطا جمع الخطوة وهي بضم الخاء ما بين القدمين وبفتحها المصدر ويكون للمرة، وكثرتها أعم من أن يكون ببُعد الدار وبكثرة التكرار. اهـ مبارق، وفي الأبي: قال عز الدين بن عبد السَّلام: ولا يمر إلى المسجد من أبعد طريقيه لتكثر الخُطا لأن الغرض الحصول في المسجد، والحديث إنَّما هو تنشيط لمن بعُدت داره أن لا يكسل وإمام المسجد لا يمنعه أخذ المرتب من ثواب تكرره إليه، وكان الشَّيخ ابن عرفة إمام الجامع الأعظم بتونس ولداره بُعْدٌ منه فكان يقول وقد نِيفَ عمره على الثمانين سنة: منعني من النُّقلة إلى قُرب الجامع حديث بني سلمة يعني قوله صَلَّى الله عليه وسلم لهم حين أرادوا التحول إلى قُرب المسجد "يا بني سلمة دياركم تكتب آثاركم" ومن نحو ما ذُكر في المنع أن يؤثر أبعد المسجدين منه بالصلاة فيه لكثرة الخُطا مع ما جاء "لا صلاة لجار المسجد إلَّا في المسجد" وقالت عائشة رضي الله تعالى عنها: قلت يا رسول الله إنِّي بين جارين فإلي أيهما أُهدي؟ قال: إلى أقربهما دارًا. اهـ من الأبي (وانتظار) وقت (الصَّلاة) الثَّانية بمراقبته ليفعلها في الوقت الأفضل (بعد) فعل (الصَّلاة) الأولى وأدائها في وقتها كانتظار وقت العصر بعد الظهر والعشاء بعد المغرب، وقيل المراد بالانتظار الجلوس في المسجد ليفعلها جماعة، قال ابن العربي: ويحتمل أن يريد بالانتظار تعلق القلب بالصلاة فيَعُمُّ الخمس، وقال ابن عرفة: جلوس الإمام في المسجد ينتظر الصَّلاة يدفع بذلك مشقة الرجوع لمطر أو بُعد دار لا يمنع من نيل الثواب المذكور (فذالكم) المذكور أيها المخاطبون من الأمور الثلاثة هو (الرباط) المرغب فيه الكامل الأجر الذي ينبغي حبس النَّفس عليه، وأصل الرباط بكسر الراء الحبس على الشيء وكأنه حبس نفسه على هذه الطاعة، قال الأبي: والرباط لغة الحبس والحصر، وعُرفًا الإقامة بأطراف بلاد المسلمين لحراسة العدو يعني على حدودهم منعًا من دخولهم بلاد المسلمين بالسيطرة والغلبة، والمقصود هنا المعنى اللغوي، قال ابن العربي: المعنى فذالكم الرباط المأمور به في قوله تعالى {اصْبِرُوا} الآية.

الصفحة 285