فمدعي عدم جواز الاقتصار على ما دون ذلك، يحتاجُ إلى إبطال هذا المذهب، فتأمَّلْ هذا البحث، وتنبَّهْ له.
وقد يُستدل بمفهومِ حديثٍ جاء في "المسند" عن أحمد - رحمه الله - من حديث جابر قال: قال رسول الله - صَلَّى الله عليه وسلم -: فيُجْزِئُ من الغُسْلِ الصاعُ، ومن الوضوء المُدُّ" (¬1).
الخامسة: المشهور المعروفُ أن المُدَّ والصاعَ مقداران مُعَيَّنان، لا يختلفان باختلاف المَكِيْلات، وبعضُ الشَّافعية فرَّق بين صاعِ الوضوء، وصاعِ الزكاة، فقال: صاعُ الجنابة ثمانيةُ أرطالٍ، والمُدُّ منه رِطلان، بخلاف صاعِ الزكاة، وذكر في صاع الجنابةِ أنَّه رواه أنس؛ حكاه أبو المحاسن الروياني الشَّافعي (¬2) صاحب كتاب "بحر المذهب"، قال: وقال بعض أصحابنا (¬3). وهذا القول حكاه أيضاً بعضُ المتأخرين.
قلت: وقد روي عن موسى الجُهَنِيِّ، قال: أُتِىَ مجاهدٌ بقَدَحِ حزرتُهُ ثمانية أرطال، فقال: حَدَّثَتْني عائشة: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يَغْتَسِلُ بمثلِ هذا. أخرجه النَّسائيّ (¬4).
¬__________
(¬1) رواه الإمام أحمد في "المسند" (3/ 370)، وابن خزيمة في "صحيحه" (117)، والحاكم في "المستدرك" (575)، وغيرهم بلفظ: "يجزئ من الوضوء المد، ومن الجنابة الصاع".
(¬2) في الأصل: "عن الشَّافعي"، والمثبت من "ت".
(¬3) انظر: "بحر المذهب" للروياني (1/ 211).
(¬4) رواه النَّسائيّ (226)، كتاب: الطهارة، باب: ذكر القدر الذي يكتفي به الرجل من الماء للغسل. قال ابن عبد الهادي في "تنقيح التحقيق" (2/ 256): هذا إسناد صحيح، وموسى بن عبد الله الجهني وثقوه.