ورَدَّ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - على عبد الله بن عمرو التزامَه قيامَ الليل، وصيامَ النهار، ولم يُقِرَّه على طلب كثرةِ التلاوةِ، التي رامَها (¬1).
وثالثها: ما تعلق بالزيادة في لذات الدُّنيا، فإن الشَّرعَ دل على طلبِ الزهدِ في الدُّنيا، وذمَّ قوماً أذهبوا طيباتهِم في حياتهم [الدُّنيا] (¬2)، فتكلَّف قومٌ من أهل الرِّيادة أموراً شاقة (¬3)، والتزموا تركَ مباحاتٍ؛ كالزواجِ، وأكلِ بعضِ الطيِّباتِ، فردَّ عليهم؛ قال عليه أفضل الصَّلاة والسلام: "من رَغِبَ عن سُنَّتي، فليسَ منِّي" (¬4)، وقصة عثمان مع عامر بن عبد قيس - رضي الله عنهما - أحد الثمانية الزهاد، مذكورة.
ورابعها: الشريعة طافِحَةٌ بمجاهدَةِ النَّفس، ورَدْعِها عن شهواتها، وأخلاقِها المذمومة، فتكلَّف المتعبِّدون والمتصوِّفون أفعالاً شاقَّة، قصدوا بها المجاهَدة، وتوغَّلوا (¬5) في ذلك، فكان هذا في جانب الفعل، كما تقدَّم في جانب التَّرك، من الامتناع عن المباحات، وأُنكِر بعض ذلك، وقيل (¬6): إنه تصرُّف في المملوك بغير إذن المالك،
¬__________
(¬1) كما تقدم تخريجه عند البُخاريّ ومسلم.
(¬2) زيادة من "ت".
(¬3) في الأصل: "من أهل الزيادة أموراً شافية"، والمثبت من "ت".
(¬4) رواه البُخاريّ (4776)، كتاب: النكاح، باب: الترغيب في النكاح، ومسلم (1401)، كتاب: النكاح، باب: استحجاب النكاح لمن تاقت نفسه إليه، من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.
(¬5) "ت": "فتوغلوا".
(¬6) "ت": "فقيل".