كتاب أحكام القرآن للجصاص ت قمحاوي (اسم الجزء: 5)
كَانَ مَعَ إمَامٍ فَلْيُصَلِّ مَعَهُ حَتَّى إذَا سَلَّمَ صَلَّى الَّتِي نَسِيَ ثُمَّ أَعَادَ الصَّلَاةَ الَّتِي صَلَّاهَا مَعَهُ وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ إذَا صَلَّى صَلَوَاتٍ بِغَيْرِ وُضُوءٍ أَوْ نَامَ عَنْهُنَّ قَضَى الْأُولَى فَالْأُولَى فَإِنْ جَاءَ وَقْتُ صَلَاةٍ تَرَكَهَا وَصَلَّى مَا قَبْلَهَا وَإِنْ فَاتَهُ وَقْتُهَا حَتَّى يَبْلُغَهَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ الِاخْتِيَارُ أَنْ يَبْدَأَ بِالْفَائِتَةِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ وَبَدَأَ بِصَلَاةِ الْوَقْتِ أَجْزَأَهُ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَرَوَى مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ مَنْ نَسِيَ صَلَاةً وَذَكَرَهَا وَهُوَ خَلْفَ إمَامٍ فَلْيُصَلِّ مَعَ الْإِمَامِ فَإِذَا فَرَغَ صَلَّى الَّتِي نَسِيَ ثُمَّ يُصَلِّي الأخرى وروى عباد بن العوام عن هشام عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ كَثِيرِ بْنِ أَفْلَحَ قَالَ أَقْبَلْنَا حَتَّى دَنَوْنَا مِنْ الْمَدِينَةِ وَقَدْ غَابَتْ الشَّمْسُ وَكَانَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يُؤَخِّرُونَ الْمَغْرِبَ فَرَجَوْتُ أَنْ أُدْرِكَ مَعَهُمْ الصَّلَاةَ فَأَتَيْتهمْ وَهُمْ فِي صَلَاةِ الْعِشَاءِ فَدَخَلْتُ مَعَهُمْ وَأَنَا أَحْسَبُهَا الْمَغْرِبَ فَلَمَّا صَلَّى الْإِمَامُ قُمْتُ فَصَلَّيْتُ الْمَغْرِبَ ثُمَّ صَلَّيْتُ الْعِشَاءَ فَلَمَّا أَصْبَحْتُ سَأَلْتُ عَنْ الَّذِي فَعَلْتُ فَكُلُّهُمْ أَخْبَرُونِي بِاَلَّذِي صَنَعْتُ وَكَانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بها يومئذ متوافرين وقال سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَالْحَسَنُ وَعَطَاءٌ بِوُجُوبِ التَّرْتِيبِ فَهَؤُلَاءِ السَّلَفُ قَدْ رُوِيَ عَنْهُمْ إيجَابُ التَّرْتِيبِ وَلَمْ يُرْوَ عَنْ أَحَدٍ مِنْ نُظَرَائِهِمْ خِلَافٌ فَصَارَ ذَلِكَ إجْمَاعًا مِنْ السَّلَفِ وَيَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ التَّرْتِيبِ فِي الْفَوَائِتِ مَا
رَوَى يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عن جَابِرٍ قَالَ جَاءَ عُمَرُ يَوْمَ الْخَنْدَقِ فَجَعَلَ يَسُبُّ كُفَّارَ قُرَيْشٍ وَيَقُولُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ما صليت الْعَصْرِ حَتَّى كَادَتْ الشَّمْسُ أَنْ تَغِيبَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا وَاَللَّهِ مَا صَلَّيْتُ بَعْدُ فَنَزَلَ وتوضأ ثم صلى العصر بعد ما غربت الشمس ثم صلى المغرب بعد ما صَلَّى الْعَصْرَ
وَرُوِيَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ فَاتَتْهُ أَرْبَعُ صَلَوَاتٍ حَتَّى كَانَ هُوِيٌّ مِنْ اللَّيْلِ فَصَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ الْعَصْرَ ثُمَّ الْمَغْرِبَ ثُمَّ الْعِشَاءَ
وَهَذَا الْخَبَرُ يَدُلُّ مِنْ وَجْهَيْنِ عَلَى وُجُوبِ التَّرْتِيبِ أَحَدُهُمَا
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي
فَلَمَّا صَلَّاهُنَّ عَلَى التَّرْتِيبِ اقْتَضَى ذَلِكَ إيجابه والوجه الآخر أن فرض الصلاة تحل من الْكِتَابِ وَالتَّرْتِيبُ وَصْفٌ مِنْ أَوْصَافِ الصَّلَاةِ وَفِعْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا وَرَدَ عَلَى وَجْهِ الْبَيَانِ فَهُوَ عَلَى الْوُجُوبِ فَلَمَّا قَضَى الْفَوَائِتَ عَلَى التَّرْتِيبِ كَانَ فِعْلُهُ ذَلِكَ بيانا للفرض المحمل فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ عَلَى الْوُجُوبِ وَيَدُلُّ عَلَى وُجُوبِهِ أَيْضًا أَنَّهُمَا صَلَاتَانِ فَرْضَانِ قَدْ جَمَعَهُمَا وَقْتٌ وَاحِدٌ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ فَأَشْبَهَتَا صَلَاتَيْ عَرَفَةَ وَالْمُزْدَلِفَةِ فَلَمَّا لَمْ يَجُزْ إسْقَاطُ التَّرْتِيبِ فِيهِمَا وَجَبَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ حُكْمَ الْفَوَائِتِ فِيمَا دُونَ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ
وَقَالَ عُمَرُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنِّي مَا صَلَّيْتُ الْعَصْرَ حَتَّى كَادَتْ الشَّمْسُ أَنْ تَغِيبَ فَلَمْ يُنْكِرْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الصفحة 51