كتاب المغني لابن قدامة ط مكتبة القاهرة (اسم الجزء: 5)

آجِرْ دَابَّتَك لِتَكُونَ أُجْرَتُهَا بَيْنَنَا، وَأُؤْجِرُ جُوَالِقَاتِي لِتَكُونَ أُجْرَتُهَا بَيْنَنَا. وَتَكُونُ الْأُجْرَةُ كُلُّهَا لِصَاحِبِ الْبَهِيمَةِ؛ لِأَنَّهُ مَالِكُ الْأَصْلِ، وَلِلْآخَرِ أَجْرُ مِثْلِهِ عَلَى صَاحِبِ الْبَهِيمَةِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى مَنَافِعَ مِلْكِهِ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ، هَذَا إذَا أَجَرَ الدَّابَّةَ بِمَا عَلَيْهَا مِنْ الْإِكَافِ وَالْجُوَالِقَاتِ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ.
فَأَمَّا لَوْ أَجَرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِلْكَهُ مُنْفَرِدًا، فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَجْرُ مِلْكِهِ. وَهَكَذَا لَوْ قَالَ رَجُلٌ لِصَاحِبِهِ: آجِرْ عَبْدِي، وَالْأَجْرُ بَيْنَنَا. كَانَ الْأَجْرُ لِصَاحِبِهِ، وَلِلْآخَرِ أَجْرُ مِثْلِهِ. وَكَذَلِكَ فِي جَمِيعِ الْأَعْيَانِ.

(٣٦٢٥) فَصْلٌ فَإِنْ اشْتَرَكَ ثَلَاثَةٌ؛ مِنْ أَحَدِهِمْ دَابَّةٌ، وَمِنْ آخَرَ رَاوِيَةٌ، وَمِنْ آخَرَ الْعَمَلُ، عَلَى أَنَّ مَا رَزَقَ اللَّهُ تَعَالَى فَهُوَ بَيْنَهُمْ، صَحَّ، فِي قِيَاسِ قَوْلِ أَحْمَدَ؛ فَإِنَّهُ نَصَّ فِي الدَّابَّةِ يَدْفَعُهَا إلَى آخَرَ يَعْمَلُ عَلَيْهَا، عَلَى أَنَّ لَهُمَا الْأُجْرَةَ عَلَى الصِّحَّةِ.
وَهَذَا مِثْلُهُ؛ لِأَنَّهُ دَفَعَ دَابَّتَهُ إلَى آخَرَ يَعْمَلُ عَلَيْهَا، وَالرَّاوِيَةُ عَيْنٌ تُنَمَّى بِالْعَمَلِ عَلَيْهَا، فَهِيَ كَالْبَهِيمَةِ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ مَا رَزَقَ اللَّهُ بَيْنَهُمْ عَلَى مَا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ. وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّهُمَا وَكَّلَا الْعَامِلَ فِي كَسْبٍ مُبَاحٍ بِآلَةٍ دَفَعَاهَا إلَيْهِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ دَفَعَ إلَيْهِ أَرْضَهُ لِيَزْرَعَهَا.
وَهَكَذَا لَوْ اشْتَرَكَ أَرْبَعَةٌ مِنْ أَحَدِهِمْ دُكَّانٌ وَمِنْ آخَرَ رَحًى، وَمِنْ آخَرَ بَغْلٌ، وَمِنْ آخَرَ الْعَمَلُ، عَلَى أَنْ يَطْحَنُوا بِذَلِكَ، فَمَا رَزَقَ اللَّهُ تَعَالَى فَهُوَ بَيْنَهُمْ، صَحَّ، وَكَانَ بَيْنَهُمْ عَلَى مَا شَرَطُوهُ وَقَالَ الْقَاضِي: الْعَقْدُ فَاسِدٌ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ جَمِيعًا. وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ هَذَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُشَارَكَةً وَلَا مُضَارَبَةً، لِكَوْنِهِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ رَأْسُ مَالِهِمَا الْعُرُوضَ، وَلِأَنَّ مِنْ شُرُوطِهِمَا عَوْدَ رَأْسِ الْمَالِ سَلِيمًا، بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يُسْتَحَقُّ شَيْءٌ مِنْ الرِّبْحِ حَتَّى يُسْتَوْفَى رَأْسُ الْمَالِ بِكَمَالِهِ.
وَالرَّاوِيَةُ هَاهُنَا تَخْلُقُ وَتَنْقُصُ، وَلَا إجَارَةَ؛ لِأَنَّهَا تَفْتَقِرُ إلَى مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ وَأَجْرٍ مَعْلُومٍ، فَتَكُونُ فَاسِدَةً. فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْأَجْرُ كُلُّهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى لِلسَّقَّاءِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا غَرَفَ الْمَاءَ فِي الْإِنَاءِ مَلَكَهُ، فَإِذَا بَاعَهُ فَثَمَنُهُ لَهُ، لِأَنَّهُ عِوَضُ مِلْكِهِ، وَعَلَيْهِ لِصَاحِبَيْهِ أَجْرُ الْمِثْلِ، لِأَنَّهُ اسْتَعْمَلَ مِلْكَهُمَا بِعِوَضٍ لَمْ يُسَلَّمْ لَهُمَا، فَكَانَ لَهُمَا أَجْرُ الْمِثْلِ، كَسَائِرِ الْإِجَارَاتِ الْفَاسِدَةِ. وَأَمَّا فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ، فَإِنَّهُمْ إذَا طَحَنُوا لِرَجُلٍ طَعَامًا بِأُجْرَةِ، نَظَرْت فِي عَقْدِ الْإِجَارَةِ، فَإِنْ كَانَ مِنْ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَصْحَابَهُ، وَلَا نَوَاهُمْ، فَالْأَجْرُ كُلُّهُ لَهُ، وَعَلَيْهِ لِأَصْحَابِهِ أَجْرُ الْمِثْلِ، وَإِنْ نَوَى أَصْحَابَهُ، أَوْ ذَكَرَهُمْ، كَانَ كَمَا لَوْ عَقَدَ مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مُنْفَرِدًا، أَوْ اسْتَأْجَرَ مِنْ جَمِيعِهِمْ، فَقَالَ: اسْتَأْجَرْتُكُمْ لِتَطْحَنُوا لِي هَذَا الطَّعَامَ بِكَذَا. فَالْأَجْرُ بَيْنَهُمْ أَرْبَاعًا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ قَدْ لَزِمَهُ طَحْنُ رُبْعِهِ بِرُبْعِ الْأَجْرِ، وَيَرْجِعُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَلَى أَصْحَابِهِ بِرُبْعِ أَجْرِ مِثْلِهِ.
وَإِنْ كَانَ قَالَ: اسْتَأْجَرْت هَذَا الدُّكَّانَ وَالْبَغْلَ وَالرَّحَى، وَهَذَا الرَّجُلَ بِكَذَا وَكَذَا، لِطَحْنِ كَذَا وَكَذَا مِنْ الطَّعَامِ. صَحَّ، وَالْأَجْرُ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ أَجْرِ مِثْلِهِمْ، لِكُلِّ وَاحِدٍ

الصفحة 10