كتاب فتح السلام شرح عمدة الأحكام من فتح الباري (اسم الجزء: 5)

وقوله " فليس منّي " إن كانت الرّغبة بضربٍ من التّأويل يعذر صاحبه فيه فمعنى " فليس منّي " أي: على طريقتي , ولا يلزم أن يخرج عن الملة وإن كان إعراضاً وتنطّعاً يفضي إلى اعتقاد أرجحيّة عمله. فمعنى " فليس منّي " ليس على ملتي , لأنّ اعتقاد ذلك نوع من الكفر.
وفي الحديث دلالة على فضل النّكاح والتّرغيب فيه، وقد اختلف فيه.
القول الأول: قال الشّافعيّة: ليس عبادة، ولهذا لو نذره لَم ينعقد.
القول الثاني: قال الحنفيّة: هو عبادة.
والتّحقيق أنّ الصّورة التي يستحبّ فيها النّكاح - كما تقدّم بيانه - تستلزم أن يكون حينئذٍ عبادة، فمن نفى نظر إليه في حدّ ذاته , ومن أثبت نظرَ إلى الصّورة المخصوصة.
وفي الحديث تتبّع أحول الأكابر للتّأسّي بأفعالهم , وأنّه إذا تعذّرت معرفته من الرّجال جاز استكشافه من النّساء، وأنّ من عزم على عمل برّ واحتاج إلى إظهاره حيث يأمن الرّياء لَم يكن ذلك ممنوعاً.
وفيه تقديم الحمد والثّناء على الله عند إلقاء مسائل العلم , وبيان الأحكام للمكلفين وإزالة الشّبهة عن المجتهدين، وأنّ المباحات قد تنقلب بالقصد إلى الكراهة والاستحباب.
وقال الطّبريّ: فيه الرّدّ على من منع استعمال الحلال من الأطعمة والملابس وآثر غليظ الثّياب وخشن المأكل.

الصفحة 500