كتاب فتح السلام شرح عمدة الأحكام من فتح الباري (اسم الجزء: 5)

لتناقض الحكمين الحرّيّة والرّقّ، فإنّ الحرّيّة حكمها الاستقلال والرّقّ ضدّه، وأمّا بعد العتق فلزوال حكم الجبر عنها بالعتق، فيجوز أن لا ترضى وحينئذٍ لا تنكح إلَّا برضاها.
الثّاني: أنّا إذا جعلنا العتق صداقاً. فإمّا أن يتقرّر العتق حالة الرّقّ وهو محال لتناقضهما، أو حالة الحرّيّة فيلزم أسبقيّته على العقد، فيلزم وجود العتق حالة فرض عدمه وهو محال، لأنّ الصّداق لا بدّ أن يتقدّم تقرّره على الزّوج إمّا نصّاً وإمّا حكماً حتّى تملك الزّوجة طلبه.
فإن اعتلّوا بنكاح التّفويض فقد تحرّزنا عنه بقولنا حكماً، فإنّها وإن لَم يتعيّن لها حالة العقد شيء لكنّها تملك المطالبة فثبت أنّه يثبت لها حالة العقد شيء تطالب به الزّوج، ولا يتأتّى مثل ذلك في العتق فاستحال أن يكون صداقاً.
وتعقّب: ما ادّعاه من الاستحالة بجواز تعليق الصّداق على شرط إذا وجد استحقّته المرأة كأن يقول: تزوّجتك على ما سيستحقّ لي عند فلان وهو كذا، فإذا حلَّ المال الذي وقع العقد عليه استحقّته.
وقد أخرج الطّحاويّ من طريق نافع عن ابن عمر في قصّة جويريّة بنت الحارث , أنّ النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - جعل عتقها صداقها.
وهو ممّا يتأيّد به حديث أنس، لكن أخرج أبو داود من طريق عروة عن عائشة في قصّة جويريّة , أنّ النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال لها لَمَّا جاءت تستعين به في كتابتها: هل لك أن أقضي عنك كتابتك وأتزوّجك؟ قالت: قد فعلت.

الصفحة 609