كتاب فتح السلام شرح عمدة الأحكام من فتح الباري (اسم الجزء: 5)

وهذا الرّجل يحتمل أن يكون المغيرة، فقد أخرج التّرمذيّ والنّسائيّ من حديثه , أنّه خطب امرأة , فقال له النّبيّ - صلى الله عليه وسلم -: انظر إليها، فإنّه أحرى أن يدوم بينكما. وصحَّحه ابن حبّان، وأخرج أبو داود والحاكم من حديث جابر مرفوعاً: إذا خطب أحدكم المرأة. فإن استطاع أن ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل. وسنده حسنٌ.
وله شاهد من حديث محمّد بن مسلمة، وصحَّحه ابن حبّان والحاكم، وأخرجه أحمد وابن ماجه. ومن حديث أبي حميدٍ أخرجه أحمد والبزّار.
وفيه أنّ الهبة لا تتمّ إلَّا بالقبول، لأنّها لَمَّا قالت: وهبت نفسي لك. ولَم يقل قبلت لَم يتمّ مقصودها , ولو قبلها لصارت زوجاً له , ولذلك لَم ينكر على القائل " زوّجنيها "
وفيه جواز الخطبة على خطبة من خطب إذا لَم يقع بينهما ركون , ولا سيّما إذا لاحت مخايل الرّدّ، قاله أبو الوليد الباجيّ.
وتعقّبه عياض وغيره: بأنّه لَم يتقدّم عليها خطبة لأحدٍ ولا ميل، بل هي أرادت أن يتزوّجها النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - فعرضت نفسها مجّاناً مبالغة منها في تحصيل مقصودها فلم يقبل، ولَمّا قال: ليس لي حاجة في النّساء. عرف الرّجل أنّه لَم يقبلها , فقال: زوّجنيها. ثمّ بالغ في الاحتراز , فقال: إن لَم يكن لك بها حاجة.
وإنّما قال ذلك بعد تصريحه بنفي الحاجة لاحتمال أن يبدو له بعد ذلك ما يدعوه إلى إجابتها، فكان ذلك دالاً على وفور فطنة الصّحابيّ

الصفحة 631