كتاب فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام ط المكتبة الإسلامية (اسم الجزء: 5)

قالوا: ولأنه طلاق محرم منهي عنه، فالنهي يقتضي فساد المنهي عنه، فلو صححناه لكان لا فرق بين المنهي عنه والمأذون فيه من جهة الصحة والفساد.
قالوا: وأيضًا فالشارع إنما نهى عنه وحرمه؛ لأنه يبغضه، ولا يحب وقوعه، بل وقوعه مكروه إليه، فحرمه لئلا يقع ما يبغضه ويكرهه، وفي تصحيحه وتنفيذه ضد هذا المقصود.
قالوا: وإذا كان النكاح المنهي عنه لا يصح لأجل النهي، فما الفرق بينه وبين الطلاق، وكيف أبطلتم ما نهى الله عنه من النكاح، وصححتم ما حرمه ونهى عنه من الطلاق، والنهي يقتضي البطلان في الموضعين؟
قالوا: ويكفينا من هذا حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم العام الذي لا تخصيص فيه برد ما خالف أمره وإبطاله وإلغائه، كما في والصحيح عنه، من حديث عائشة رضي الله عنه: "كل عمل ليس عليه أمرنا فهو رد" وفي رواية: "من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد". وهذا صريح أن هذا الطلاق المحرم الذي ليس عليه أمره صلى الله عليه وسلم مردود باطل، فكيف يقال: إنه صحيح لازم نافذ؟ ! فأين هذا من الحكم برده؟ !
قالوا: وأيضًا فإنه طلاق لم يشرعه الله أبدًا، وكان مردودًا باطلًا كطلاق الأجنبية، ولا ينفعكم الفرق بأن الأجنبية ليست محلًّا للطلاق بخلاف الزوجة، فإن هذه الزوجة ليست محلًّا للطلاق المحرم، ولا هو مما ملكه الشارع إياه.
قالوا: وأيضًا فإن الله سبحانه إنما أمر بالتسريح بإحسان، ولا أسوأ من التسريح الذي حرمه الله ورسوله، وموجب عقد النكاح أحد أمرين: إما إمساك بمعروف، أو تسريح بإحسان، والتسريح المحرم أمر ثالث غيرهما، فلا عبرة به ألبتة.
قالوا: وقد قال الله تعالى: {يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن" [الطلاق: 1]، وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم المبين عن الله مراده من كلامه، أن الطلاق المشروع المأذون فيه هو الطلاق في زمن الطهر الذي لم يجامع فيه، أو بعد استبانة الحمل، وما عداهما فليس بطلاق للعدة في حق المدخول بها، فلا يكون طلاقًا، فكيف تحرم المرأة به؟ !
قالوا: وقد قال الله تعالى: {الطلاق مرتان} [البقرة: 229]. ومعلوم أنه إنما أراد الطلاق المأذون فيه، وهو الطلاق للعدة، فدل على أن ما عداه ليس من الطلاق، فإنه حصر الطلاق المشروع المأذون فيه الذي يملك به الرجعة في مرتين، فلا يكون ما عداه طلاقًا، قالوا: ولهذا كان الصحابة- رضي الله عنهم- يقولون: إنهم لا طاقة لهم بالفتوى في الطلاق المحرم، كما روى ابن وهب، عن جرير بن حازم، عن الأعمش، ان ابن مسعود رضي الله عنه قال: "من طلَّق كما أمره الله

الصفحة 16