كتاب فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام ط المكتبة الإسلامية (اسم الجزء: 5)

له فيه، والأظهر فيما هذه صفته أنه لا يعتد به، وأنه ساقط من فعل فاعله، لأنه ليس في دين الله تعالى حكم نافذ سببه العجز والحمق عن امتثال الأمر، إلا أن يكون فعلًا لا يمكن رده بخلاف العقود المحرمة التي من عقدها على الوجه المحرم، فقد عجز واستحمق، وحينئذٍ، فيقال: هذا أدل على الرد منه على الصحة واللزوم، فإنه عقد عاجز أحمق على خلاف أمر الله ورسوله، فيكون مردودًا باطلًا، فهذا الرأي والقياس أدل على بطلان طلاق من عجز وأستحمق منه على صحته واعتباره.
وأما قوله: "فحسبت من طلاقها"، ففعل مبني لما لم يسم فاعله، فإذا سمي فاعله ظهر وتبين، هل في حسبانه حجة أو لا؟ وليس في حسبان الفاعل المجهول دليل ألبتة، وسواء كان القائل: "فحسبت" ابن عمر أو نافعًا أو من دونه، وليسري فيه بيان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي حسبها حتى تلزم الحجة به، وتحرم مخالفته، فقد تبين أن سائر الأحاديث لا تخالف حديث أبي الزبير، وأنه صريح في أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يرها شيئًا، وسائر الأحاديث مجملة لا بيان فيها.
قال الموقعون: لقد ارتقيتم أيها المانعون مرتقى صعبًا، وأبطلتم أكثر طلاق المطلقين، فإن غالبه طلاق بدعي، وجاهرتم بخلاف الأئمة، ولم تتحاشوا خلاف الجمهور، وشذذتم بهذا القول الذي أفتى جمهور الصحابة ومن بعدهم بخلافه، والقرآن والسنن تدل على بطلانه، قال تعالى: {فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجًا غيره}، وهذا يعمُّ كل طلاق، وكذلك قوله: {والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروءٍ} [البقرة: 238]، ولم يفرق، وكذلك قوله تعالى: {الطلاق مرتان}، وقوله: {وللمطلقات متاع} [البقرة: 241]. وهذه مطلقة وهي عمومات لا يجوز تخصيصها إلا بنص أو إجماع.
قالوا: وحديث ابن عمر دليل على وقوع الطلاق المحرم من وجوه:
أحدها: الأمر بالمراجعة، وهي لمُّ شعث النكاح، وإنما شعته وقوع الطلاق.
الثاني: قول ابن عمر: "فراجعتها، وحسبت لها التطليقة التي طلقها".
وكيف يظن بابن عمر أنه يخالف رسول الله صلى الله عليه وسلم فيحسبها من طلاقها، ورسول الله صلى الله عليه وسلم لم يرها شيئًا؟ !
الثالث: قول ابن عمر لما قيل له: أيحتسب بتلك التطليقة؟ قال: أرأيت إن عجز واستحمق، أي: عجزه وحمقه لا يكون عذرًا له في عدم احتسابه بها.
الرابع: أن ابن عمر قال: وما يمنعني أن أعتاد بها، وهذا إنكار منه لعدم الاعتداد بها، وهذا يبطل تلك اللفظة التي رواها عنه أبو الزبير، إذ كيف يقول ابن عمر: وما يمنعني أن أعتد بها، وهو يرى رسول الله قد ردها عليه ولم يرها شيئا؟ !

الصفحة 19