كتاب فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام ط المكتبة الإسلامية (اسم الجزء: 5)

بين أن تذكره اعتبارًا بما سبق أو تؤنثه لما لحقه، فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء في أي آية؟ ، في سورة النساء القصيرة، تسمى عند السلف بسورة النساء القصيرة، وسورة النساء الطويلة التي بعد آل عمران، هذه سورة النساء القصيرة لأن أكثر ما فيها من الأحكام يتعلق بالنساء، المهم أنها سورة الطلاق: {يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن} [الطلاق: 1]. وحينئذٍ تكون عدتهن أن يطلقهن في طهر لم يجامعها فيه، إلا أن تكون حاملًا، فإن كانت حاملًا، فليس لطلاقها ستة ولا بدعة كل طلاقها سنة يعني إذا طلق الحامل ولو كان جامعها قبل قليل فالطلاق سني ليس بدعيًّا، ومن قال من العلماء: إنه لا سنة ولا بدعة لحامل المعنى أن البدعة لا تتصور فيها. وإلا فإن طلاقها لا شك طلاق سنة لأنه طلق للعدة.
? ? ? ? - وفي روايةٍ لمسلم: "مره فليراجعها، ثمَّ ليطلِّقها طاهرًا أو حاملًا".
الفرق بين هذه الرواية وما سبق أن قوله: "فليطلقها طاهرًا" يدخل فيها ما إذا طلقها بعد طهرها من الحيضة التي وقع الطلاق فيها، يعني: الرواية الأولى المتفق عليها "مره فليراجعها .... إلخ".
وهذه الرواية "فليطلقها طاهرًا أو حاملًا": يقتضي أنه إذا طلقها في الطهر الذي عقب حيضها الذي وقع فيه الطلاق فهو طلاق جائز، لأنه يصدق عليها أنه طلقها وهي طاهر وهذه المسألة اختلف فيها العلماء فمنهم من قال: إن قوله "طاهرًا" مطلق فيحمل على ما سبق أي: طاهرًا بعد الحيضة الثانية، ومنهم من قال: إن انتظاره إلى الحيضة الثانية سنة، يعني: إلى الطهر الثاني بعد الحيضة الثانية سنة، وأما انتظاره إلى الطهر الأول بعد الحيضة التي وقعت فيها الطلاق فهو واجب، في حمل اختلاف الروايتين على اختلاف الحكمين، ولو قيل: إن كان عامدًا فإنه يعاقب بتطويل الأمر عليه فلا يؤذن له في الطلاق إلا بعد الحيضة الثانية، وإن كان غير عامد فإنه يرخص له في الطلاق في الطهر الأول.
لو قيل بهذا لكان جيدًا لكن هذا القول يمنع من أن قصة ابن عمر واحدة وهو إما هذا وإما هذا يعني ليس هذا حكمًا مستقلًّا غير مبنيٍّ على سبب، لو كان الأمر كذلك لكان الذي قلته هذا وجهًا، لكن القصة واحدة وحينئذ لا بد من الترجيح، فهل نرجح رواية مسلم ونقول: إنه يجوز أن يطلقها في الطهر الذي يعقب الحيضة التي وقعت فيها الطلاق، أم لا بد من طهر ثم حيض ثم طهر.
الرواية الأولى متَّفقٌ عليها، وهذه في مسلم وطريق الترجيح أن المتفق عليه مقدم على ما انفرد به أحدهما، أي: البخاري ومسلم، ثم إن في الرواية الأولى زيادة علم وتفصيل يقول: "مره فليراجها، ثم يمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر"، فالأقرب أن تقول: إنه لا يحل الطلاق إلا بعد الحيضة الثانية على ذكر هذا الحديث.

الصفحة 7