كتاب شرح مختصر خليل للخرشي (اسم الجزء: 5)

لِأَنَّهُ شِرَاءُ مَا فِيهِ خُصُومَةٌ وَالْمَشْهُورُ مَنْعُهُ كَمَنْعِ الْأَوَّلِ بِلَا خِلَافٍ قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ أَمَّا لَوْ كَانَ مُقِرًّا بِالْغَصْبِ مَقْدُورًا عَلَيْهِ فَإِنَّهُ جَائِزٌ بِاتِّفَاقٍ إذْ لَا عَجْزَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَقَوْلُهُ (إلَّا مِنْ غَاصِبِهِ) يَجْرِي مَجْرَى الِاسْتِثْنَاءِ الْمُنْقَطِعِ أَيْ لَكِنْ بَيْعُهُ مِنْ غَاصِبِهِ جَائِزٌ بِشَرْطِ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ الْغَاصِبَ عَزَمَ عَلَى رَدِّهِ لِرَبِّهِ وَرُبَّمَا لَوَّحَ الْمُؤَلِّفُ لِشَرْطِ الْعَزْمِ عَلَى رَدِّهِ بِقَوْلِهِ (ص) وَهَلْ إنْ رُدَّ لِرَبِّهِ مُدَّةً تَرَدُّدٌ (ش) أَيْ وَهَلْ يُزَادُ عَلَى عِلْمِ الْعَزْمِ شَرْطٌ آخَرُ فَيُقَالُ مَحَلُّ الْجَوَازِ إنْ رُدَّ لِرَبِّهِ بِالْفِعْلِ وَبَقِيَ تَحْتَ يَدِهِ مُدَّةً حَدَّهَا بَعْضُهُمْ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ، وَإِلَّا كَانَ مَضْغُوطًا بَائِعًا بِنَجَسٍ أَوْ لَا يُشْتَرَطُ زِيَادَةً عَلَى الْعَزْمِ الرَّدُّ بِالْفِعْلِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ، وَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ الْعَزْمُ فَقَطْ، وَإِنَّمَا طُلِبَتْ الْمُدَّةُ الْمَذْكُورَةُ عَلَى الْأَوَّلِ لِأَجْلِ أَنْ يَتَحَقَّقَ انْتِفَاءُ الْغَصْبِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَبَضَهَا وَبَقِيَتْ عِنْدَهُ مُدَّةً يَسِيرَةً ثُمَّ رَدَّهَا إلَى الْغَاصِبِ آلَ الْأَمْرُ إلَى أَنَّهُ كَانَ بَاعَ مَغْصُوبًا لِعَدَمِ تَحَقُّقِ انْتِفَاءِ الْغَصْبِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَبَضَهَا وَبَاعَهَا لِغَيْرِ الْغَاصِبِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ بِمُجَرَّدِ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَمْ يَبِعْ مَغْصُوبًا فَقَدْ ظَهَرَ لَك الْفَرْقُ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ

(ص) وَلِلْغَاصِبِ نَقْضُ مَا بَاعَهُ إنْ وَرِثَهُ لَا اشْتَرَاهُ (ش) يُرِيدُ أَنَّ الْغَاصِبَ إذَا بَاعَ مَا غَصَبَهُ لِشَخْصٍ ثُمَّ وَرِثَهُ مِنْ رَبِّهِ فَإِنَّ لَهُ نَقْضَ الْبَيْعِ الصَّادِرِ مِنْهُ قَبْلَ الْإِرْثِ لِانْتِقَالِ مَا كَانَ لِمُورَثِهِ إلَيْهِ، وَقَدْ كَانَ لِمُورَثِهِ النَّقْضُ وَلِهَذَا لَوْ تَعَدَّى شَرِيكٌ فِي دَارٍ فَبَاعَ جَمِيعَهَا ثُمَّ وَرِثَ حَظَّ شَرِيكِهِ فَلَهُ نَقْضُ الْبَيْعِ فِي حِصَّةِ غَيْرِهِ وَأَخْذُ حِصَّتِهِ بِالشُّفْعَةِ قَالَهُ فِي سَمَاعِ سَحْنُونَ مِنْ كِتَابِ الْغَصْبِ، وَمِنْهُ يُؤْخَذُ أَنَّهُ لَا خُصُوصِيَّةَ لِلْغَاصِبِ بِمَا ذُكِرَ بَلْ يَجْرِي ذَلِكَ فِي بَيْعِ كُلِّ فُضُولِيٍّ فَإِنْ تَسَبَّبَ فِي إدْخَالِهِ فِي مِلْكِهِ بِأَنْ اشْتَرَاهُ أَوْ قَبِلَهُ بِهِبَةٍ أَوْ نَحْوِهَا مِنْ رَبِّهِ بَعْدَ أَنْ بَاعَهُ فَلَيْسَ لَهُ نَقْضُ بَيْعِهِ الصَّادِرِ مِنْهُ قَبْلَ ذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُورِ (ص) وَوُقِفَ مَرْهُونٌ عَلَى رِضَا مُرْتَهِنِهِ (ش) هَذَا كَلَامٌ مُجْمَلٌ، وَأَشَارَ إلَى بَيَانِهِ فِي بَابِ الرَّهْنِ بِقَوْلِهِ وَمَضَى بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ إنْ فَرَّطَ مُرْتَهِنُهُ وَإِلَّا فَتَأْوِيلَانِ وَبَعْدَهُ فَلَهُ رَدُّهُ إنْ بِيعَ بِأَقَلَّ أَوْ دَيْنُهُ عَرْضًا وَإِنْ أَجَازَ تَعَجُّلٌ فَقَوْلُهُ وَوَقْفُ مَرْهُونٍ أَيْ إمْضَاءُ مَرْهُونٍ أَيْ بِيعَ بَعْدَ قَبْضِهِ لَا قَبْلَهُ وَلَا حَاجَةَ لِلتَّقْيِيدِ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ دَاخِلٌ فِي قَوْلِهِ وَقُدْرَةٌ عَلَيْهِ وَالْكَلَامُ هُنَا إنَّمَا هُوَ فِي مَفْهُومِهِ وَلَا يَتَأَتَّى ذَلِكَ إلَّا بَعْدَ الْقَبْضِ وَحِينَئِذٍ فَهُوَ نَصٌّ فِي التَّفْصِيلِ الَّذِي فِي بَابِ الرَّهْنِ

(ص) وَمِلْكُ غَيْرِهِ عَلَى رِضَاهُ وَلَوْ عَلِمَ الْمُشْتَرِي (ش) يُرِيدُ أَنَّ
ـــــــــــــــــــــــــــــQالَّتِي ذَكَرَهَا الْمُؤَلِّفُ كَغَيْرِهِ كُلُّهَا لِلصِّحَّةِ وَلَا تَنْوِيعَ أَصْلًا اهـ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ شِرَاءُ مَا فِيهِ خُصُومَةٌ) أَيْ؛ لِأَنَّ الْغَاصِبَ يَطْعَنُ فِي الْبَيِّنَةِ (قَوْلُهُ قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ) عُلِمَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ أَحْوَالٌ ثَلَاثَةٌ (قَوْلُهُ يَجْرِي مَجْرَى الِاسْتِثْنَاءِ الْمُنْقَطِعِ) أَيْ هُوَ فِي الْأَصْلِ اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ، وَإِنَّمَا جَرَى مَجْرَى الِاسْتِثْنَاءِ الْمُنْقَطِعِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي تَبْيِينِ الْأَحْكَامِ فَلَا يُلْتَفَتُ لِكَوْنِ الْأَوَّلِ عَامًّا أُخْرِجَ مِنْهُ شَيْءٌ بَلْ يُلْتَفَتُ إلَى تَمْيِيزِ الْأَحْكَامِ وَتَبْيِينِهَا بِحَيْثُ يُقَالُ إنَّ مَا قَبْلَ إلَّا إذَا بِيعَ لِغَيْرِ الْغَاصِبِ (قَوْلُهُ وَرُبَّمَا لَوَّحَ الْمُؤَلِّفُ) لَا تَلْوِيحَ أَصْلًا لَا بِالنَّظَرِ لِلْقَوْلِ الْمُصَرَّحِ بِهِ وَلَا بِالنَّظَرِ لِغَيْرِهِ (قَوْلُهُ أَيْ وَهَلْ يُزَادُ عَلَى عِلْمِ الْعَزْمِ شَرْطٌ آخَرُ إلَخْ) لَا فَائِدَةَ فِي ذَلِكَ فَالْمَدَارُ عِنْدَ هَذَا الْقَائِلِ عَلَى رَدِّهِ لِرَبِّهِ الْمُدَّةَ الْمَذْكُورَةَ، وَالرَّدُّ بِالْفِعْلِ مُسْتَلْزِمٌ لِلْعَزْمِ عَلَى الرَّدِّ لِرَبِّهِ فَالْأَحْسَنُ أَنْ يُقَالَ وَهَلْ إنْ رُدَّ لِرَبِّهِ أَوْ لَا يُشْتَرَطُ الرَّدُّ لِرَبِّهِ بَلْ يُفَصَّلُ وَيُقَالُ إنْ عَزَمَ عَلَى رَدِّهِ لِرَبِّهِ فَيَجُوزُ اتِّفَاقًا أَوْ غَيْرَ عَازِمٍ فَيَمْتَنِعُ اتِّفَاقًا، وَإِنْ أَشْكَلَ أَمْرُهُ فَقَوْلَانِ الْمَشْهُورُ مِنْهُمَا الْجَوَازُ وَالْحَاصِلُ أَنَّ قَوْلَهُ تَرَدُّدٌ مَعْنَاهُ طَرِيقَتَانِ الْأُولَى طَرِيقَةُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَهُوَ أَنْ يُشْتَرَطَ الرَّدُّ لِرَبِّهِ وَالثَّانِيَةُ طَرِيقَةُ ابْنِ رُشْدٍ الْمُفَصِّلَةُ الْقَائِلَةُ إنْ عَزَمَ عَلَى رَدِّهِ لِرَبِّهِ فَيَجُوزُ اتِّفَاقًا، وَإِنْ عَزَمَ عَلَى عَدَمِ الرَّدِّ فَيَمْتَنِعُ اتِّفَاقًا وَإِنْ أَشْكَلَ الْأَمْرُ فَقَوْلَانِ الْمَشْهُورُ مِنْهُمَا الْجَوَازُ وَهِيَ الرَّاجِحَةُ.
(تَنْبِيهٌ) :
حَيْثُ قِيلَ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْبَائِعَ لَا أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ أَنْ يَأْخُذَ ثَمَنًا مِنْ الْغَاصِبِ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَخْلِصٌ بَعْضَ حَقِّهِ (قَوْلُهُ وَهُوَ الْمَشْهُورُ) أَيْ فَالرَّاجِحُ مِنْ التَّرَدُّدِ الْقَوْلُ بِعَدَمِ اشْتِرَاطِ الرَّدِّ حَيْثُ عَزَمَ عَلَى الرَّدِّ أَوْ أَشْكَلَ أَمْرُهُ

(قَوْلُهُ نَقَضَ مَا بَاعَهُ) أَيْ أَوْ وَهَبَهُ أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ مَا لَمْ يَسْكُتْ وَلَوْ أَقَلَّ مِنْ عَامٍ وَلَا يُعْذَرُ بِالْجَهْلِ فِيمَا يَظْهَرُ (قَوْلُهُ لَا إنْ اشْتَرَاهُ) أَيْ إذَا اشْتَرَاهُ لِيَتَحَلَّلَ بِذَلِكَ صَنِيعُهُ أَوْ احْتَمَلَ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ لِذَلِكَ، وَأَمَّا إنْ عَلِمَ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ لِيَتَمَلَّكَهُ فَقَطْ، وَقَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ قَبْلَ الشِّرَاءِ فَلَهُ نَقْضُ بَيْعِهِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمِيرَاثِ وَالشِّرَاءِ أَنَّ الْمِيرَاثَ هَجَمَ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ اجْتِلَابٍ مِنْهُ فَلِذَلِكَ قَامَ فِيهِ مَقَامَ رَبِّهِ؛ لِأَنَّ الْحُقُوقَ تُورَثُ كَمَا تُورَثُ الْأَعْيَانُ وَاَلَّذِي اشْتَرَى مَا بَاعَ هُوَ الَّذِي اجْتَلَبَ مِلْكَ ذَلِكَ لِنَفْسِهِ فَكَأَنَّهُ جَهِدَ فِي إمْضَائِهِ وَإِثْبَاتِهِ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ نَقْضُهُ (قَوْلُهُ لِانْتِقَالِهِ إلَيْهِ مَا كَانَ إلَخْ) مَا كَانَ بَدَلٌ مِنْ الضَّمِيرِ فِي انْتِقَالِهِ، وَلَوْ حَذَفَ الضَّمِيرَ فِي انْتِقَالِهِ لَكَانَ أَحْسَنَ (قَوْلُهُ وَأَشَارَ إلَى بَيَانِهِ إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا يُشِيرُ إلَى أَنَّ جَمِيعَ مَا فِي بَابِ الرَّهْنِ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ الَّذِي سَاقَهُ بَيَانٌ لِهَذَا مَعَ أَنَّهُ سَيَأْتِي لَهُ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ بَعْدَ الْقَبْضِ، وَآخِرُ الْعِبَارَةِ يُوَافِقُ صَدْرَهَا فِي أَنَّ جَمِيعَ مَا يَأْتِي تَفْصِيلٌ لِهَذَا الْمُجْمَلِ (قَوْلُهُ إنْ فَرَّطَ مُرْتَهِنُهُ) وَيَأْخُذُ الرَّاهِنُ الثَّمَنَ وَلَا يَلْزَمُهُ بَدَلُهُ (قَوْلُهُ وَإِلَّا فَتَأْوِيلَانِ) أَيْ بِالْإِمْضَاءِ وَيَبْقَى الثَّمَنُ رَهْنًا وَبِعَدَمِهِ وَتَبْقَى ذَاتُهُ رَهْنًا وَقَوْلُهُ بِيعَ بَعْدَ قَبْضِهِ لَيْسَ بِلَازِمٍ بَلْ مِثْلُهُ مَا إذَا لَمْ يَقْبِضْهُ وَلَمْ يُفَرِّطْ عَلَى أَحَدِ التَّأْوِيلَيْنِ (قَوْلُهُ إنْ بِيعَ بِأَقَلَّ) أَيْ مِنْ الدَّيْنِ وَلَمْ يُكْمِلْ لَهُ أَيْ أَوْ بِغَيْرِ جِنْسِ الدَّيْنِ حَيْثُ لَمْ يَأْتِ لَهُ بِمُوَافِقٍ لِلدَّيْنِ (قَوْلُهُ أَوْ كَانَ عَرْضًا) أَيْ مِنْ بَيْعٍ (قَوْلُهُ وَلَا حَاجَةَ لِلتَّقْيِيدِ بِذَلِكَ) أَيْ بَعْدَ الْقَبْضِ لَا قَبْلَهُ، وَقَوْلُهُ لِأَنَّهُ دَاخِلٌ أَيْ التَّقْيِيدَ أَيْ مَفْهُومَهُ وَهُوَ إذَا لَمْ يَقْبِضْ وَقَوْلُهُ وَلَا يَتَأَتَّى ذَلِكَ أَيْ الْمَفْهُومُ وَقَوْلُهُ إلَّا بَعْدَ الْقَبْضِ أَيْ قَبْضِ الْمُرْتَهِنِ لِلرَّهْنِ (قَوْلُهُ وَحِينَئِذٍ فَهُوَ نَصٌّ إلَخْ) أَيْ إذَا كَانَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ فِيمَا بَعْدَ الْقَبْضِ فَهُوَ نَصٌّ فِي التَّفْصِيلِ هَذَا مَعْنَاهُ (أَقُولُ) لَيْسَ نَصًّا فِي التَّفْصِيلِ

الصفحة 17