كتاب شرح مختصر خليل للخرشي (اسم الجزء: 5)

وَلَوْ كَاتَبَهُ ثُمَّ ضَرَبَهُ بَرَّ عِنْدَ ابْنِ الْمَوَّازِ وَقَالَ أَشْهَبُ لَا يَبَرُّ وَيَمْضِي عَلَى كِتَابَتِهِ وَيُوقَفُ مَا يُؤَدِّي فَإِنْ عَتَقَ بِالْأَدَاءِ ثُمَّ فِيهِ الْحِنْثُ وَصَارَ حُرًّا وَأَخَذَ كُلَّ مَا أَدَّى وَإِنْ عَجَزَ ضَرَبَهُ إنْ شَاءَ.
وَقَالَ أَصْبَغُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ مِثْلُهُ نَقَلَهُ أَبُو الْحَسَنِ وَأَتَى الْمُؤَلِّفُ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي سِلْكِ اشْتِرَاطِ الْقُدْرَةِ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ لَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى التَّسْلِيمِ وَلَا خُصُوصِيَّةَ لِلضَّرْبِ بَلْ حَيْثُ حَلَفَ بِحُرِّيَّةِ عَبْدِهِ أَوْ أَمَتِهِ وَكَانَتْ يَمِينُهُ عَلَى حِنْثٍ

(ص) وَجَازَ بَيْعُ عَمُودٍ عَلَيْهِ بِنَاءٌ لِلْبَائِعِ (ش) ذَكَرَ الْمُؤَلِّفُ هَذَا لِدَفْعِ تَوَهُّمِ أَنَّ كَوْنَهُ عَلَيْهِ بِنَاءً لِلْبَائِعِ يَمْنَعُ الْقُدْرَةَ عَلَى تَسْلِيمِهِ وَالْمَعْنَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِلشَّخْصِ بَيْعُ عَمُودٍ عَلَيْهِ بِنَاءٌ لِبَائِعِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ بِقَيْدَيْنِ أَوَّلُهُمَا لِجَوَازِ الْإِقْدَامِ عَلَى الْبَيْعِ لَا لِصِحَّتِهِ وَهُوَ مَا أَشَارَ لَهُ بِقَوْلِهِ (إنْ انْتَفَتْ الْإِضَاعَةُ) أَيْ إضَاعَةُ الْمَالِ الْكَثِيرِ مِنْ جِهَةِ الْبَائِعِ خَاصَّةً بِأَنْ يَكُونَ الْبِنَاءُ الَّذِي عَلَيْهِ لَا كَبِيرَ ثَمَنٍ لَهُ أَوْ يَكُونَ الْمُشْتَرِي أَضْعَفَ لِلْبَائِعِ الثَّمَنَ الَّذِي أَخَذَ بِهِ الْعَمُودَ، أَوْ يَكُونَ الْبَائِعُ احْتَاجَ إلَى بَيْعِ الْبِنَاءِ الَّذِي عَلَى الْعَمُودِ بِسَبَبِ اخْتِلَالِهِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْوُجُوهِ وَالنَّهْيُ عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ إنَّمَا هُوَ حَيْثُ لَمْ يَقَعْ فِي مُقَابَلَةِ شَيْءٍ، وَلَوْ يَسِيرًا بِدَلِيلِ جَوَازِ بَيْعِ الْغَبْنِ وَالثَّانِي لِصِحَّةِ الْبَيْعِ وَهُوَ مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَأُمِنَ كَسْرُهُ) أَيْ وَأُمِنَ عَلَى الْعَمُودِ كَسْرُهُ عِنْدَ إخْرَاجِهِ مِنْ الْبِنَاءِ لِيَحْصُلَ التَّسْلِيمُ الْحِسِّيُّ وَيَرْجِعُ فِي أَمْنِ الْكَسْرِ لِأَهْلِ الْمَعْرِفَةِ فَإِنْ لَمْ تَنْتَفِ الْإِضَاعَةُ صَحَّ الْبَيْعُ
ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ: وَلَوْ كَاتَبَهُ ثُمَّ ضَرَبَهُ) أَيْ قَبْلَ أَدَاءِ نُجُومِ الْكِتَابَةِ، وَأَمَّا بَعْدَ النُّجُومِ فَإِنَّهُ لَا يَبَرُّ؛ لِأَنَّهُ تَمَّ فِيهِ الْحِنْثُ وَصَارَ حُرًّا وَعَلَيْهِ فَالْخِلَافُ بَيْنَ ابْنِ الْمَوَّازِ وَغَيْرِهِ فِيمَا إذَا ضَرَبَهُ قَبْلَ أَدَاءِ النُّجُومِ وَفُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ لَيَضْرِبَنَّهُ أَنَّ الْيَمِينَ عَلَى حِنْثٍ، وَأَمَّا لَوْ كَانَتْ عَلَى بِرٍّ كَيَلْزَمُنِي عِتْقُهُ لَأَضْرِبَنَّهُ لَمْ يُرِدْ الْبَيْعَ وَلَوْ كَانَتْ أَمَةً لَمْ يُمْنَعْ مِنْ وَطْئِهَا وَهُوَ كَذَلِكَ وَفِي مُحَشِّي تت قَوْلُهُ وَرُدَّ الْبَيْعُ فِي لَأَضْرِبَنَّهُ فَرْضُ الْمَسْأَلَةِ كَذَلِكَ تَبَعًا لِلْمُدَوَّنَةِ وَإِلَّا فَلَا خُصُوصِيَّةَ لِلضَّرْبِ بَلْ الْمَدَارُ عَلَى الْحَلِفِ بِحُرِّيَّتِهِ وَكَوْنُ الْيَمِينِ عَلَى حِنْثٍ، وَإِنَّمَا نَقْضُ الْبَيْعِ لِعَقْدِ الْحُرِّيَّةِ الَّذِي حَصَلَ فِيهِ حِينَ الْحَلِفِ بِحُرِّيَّتِهِ فَلَوْ كَانَ الْحَلِفُ بِحُرِّيَّةِ غَيْرِهِ أَوْ بِطَلَاقٍ وَنَحْوِهِ لَمْ يُنْقَضْ الْبَيْعُ فَفِيهَا فِي كِتَابِ الْإِيلَاءِ.
وَإِنْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ لَيَجْلِدَنَّ عَبْدَهُ جَلْدًا يَجُوزُ لَهُ فَبَاعَهُ قَبْلَ أَنْ يَجْلِدَهُ ضُرِبَ لَهُ أَجَلُ الْمُولِي إنْ رَفَعْته فَإِنْ حَلَّ الْأَجَلُ قَبْلَ أَنْ يَمْلِكَهُ بِشِرَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ فَجَلَدَهُ طَلَّقْنَا عَلَيْهِ وَاحِدَةً فَإِنْ مَلَكَهُ فِي الْعِدَّةِ أَيْضًا فَضَرَبَهُ كَانَتْ لَهُ الرَّجْعَةُ، وَإِنْ انْقَضَتْ قَبْلَ أَنْ يَمْلِكَهُ بَانَتْ مِنْهُ ثُمَّ إنْ نَكَحَهَا عَادَ مُولِيًا وُقِفَ إلَّا أَنْ يَمْلِكَهُ فَيَضْرِبَهُ فَيَبَرَّ قَالَ ابْنُ دِينَارٍ سَاعَةَ بَاعَهُ طَلُقَتْ عَلَيْهِ وَفِيهَا فِي كِتَابِ الْعِتْقِ الْأَوَّلِ قَالَ مَالِكٌ وَإِنْ حَلَفَ بِحُرِّيَّةِ أَمَتِهِ لَيَضْرِبَنَّهَا ضَرْبًا يَجُوزُ لَهُ مُنِعَ مِنْ الْبَيْعِ وَالْوَطْءِ حَتَّى يَفْعَلَ فَإِنْ بَاعَهَا نُقِضَ الْبَيْعُ اهـ. فَانْظُرْ كَيْفَ فَرَّقَ بَيْنَ الْحَلِفِ بِحُرِّيَّتِهَا وَالطَّلَاقِ.
فَقَوْلُ س اُنْظُرْ هَلْ تَخْتَصُّ الْمَسْأَلَةُ بِيَمِينِ الْحُرِّيَّةِ وَقَوْلُ ج الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ إذَا حَلَفَ بِغَيْرِ حُرِّيَّةِ الْمَحْلُوفِ عَلَى ضَرْبِهِ فَإِنَّهُ لَا يَرُدُّ الْبَيْعَ الْوَاقِعَ فِيهِ قُصُورٌ مِنْهُمَا وَقَوْلُ ح إذَا حَلَفَ بِالطَّلَاقِ بِمُجَرَّدِ الْبَيْعِ حَنِثَ لِتَضَمُّنِ ذَلِكَ لِلْعَزْمِ عَلَى الضِّدِّ وَهُوَ مُوجِبٌ لِلْحِنْثِ فِي صِيغَةِ الْحِنْثِ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ نَصِّهَا نَعَمْ يَأْتِي عَلَى قَوْلِ ابْنِ دِينَارٍ وَاسْتِدْلَالُهُ بِالْعَزْمِ عَلَى الضِّدِّ اغْتِرَارٌ مِنْهُ بِمَا تَقَدَّمَ لِلْمُؤَلِّفِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ مَعَهُ بِمَا يَشْفِي. اهـ.
(قَوْلُهُ بَرَّ عِنْدَ ابْنِ الْمَوَّازِ) أَيْ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا بَيْعٌ وَأَنَّهُ يَبَرُّ بِضَرْبِهِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي، وَكَلَامُ أَشْهَبَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْكِتَابَةَ بَيْعٌ قَالَ إنَّهُ لَا يَبَرُّ بِضَرْبِهِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي، وَأَمَّا عَلَى أَنَّهَا عِتْقٌ فَيَحْنَثُ بِمُجَرَّدِهَا وَلَوْ عَجَزَ كَذَا يَظْهَرُ (أَقُولُ) هَذَا يُفِيدُ رُجْحَانَ قَوْلِ أَشْهَبَ وَابْنِ الْقَاسِمِ خُصُوصًا وَهُمَا صَاحِبَا الْإِمَامِ، ثُمَّ رَأَيْت أَنَّ أَبَا الْحَسَنِ قَالَ وَلَوْ مَكَّنَهُ الْمُشْتَرِي مِنْ ضَرْبِهِ وَهُوَ فِي مِلْكِهِ فَضَرَبَهُ فَفِي بِرِّهِ قَوْلَانِ قَالَ الرَّجْرَاجِيُّ مَنْصُوصَانِ فِي الْمَذْهَبِ وَقَائِمَانِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَعَلَيْهِ فَقَوْلُ الْمُؤَلِّفِ وَرَدُّ الْبَيْعِ وَاضِحٌ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا يَبَرُّ بِضَرْبِهِ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي وَعَلَى أَنَّهُ يَبَرُّ لَكِنَّهُ لَا يُمَكِّنُهُ الْمُشْتَرِي مِنْ الضَّرْبِ، وَإِلَّا فَلَا وَجْهَ لِرَدِّ الْبَيْعِ حِينَئِذٍ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيِّدَ قَوْلَ ابْنِ الْمَوَّازِ بِمَا إذَا وَقَعَ الضَّرْبُ قَبْلَ أَدَاءِ نُجُومِ الْكِتَابَةِ، وَأَمَّا بَعْدَ أَدَائِهَا فَلَا يَبَرُّ إذْ بِالْأَدَاءِ تَمَّ فِيهِ الْحِنْثُ وَصَارَ حُرًّا فَالْخِلَافُ بَيْنَ ابْنِ الْمَوَّازِ وَغَيْرِهِ فِيمَا إذَا ضَرَبَهُ قَبْلَ أَدَاءِ النُّجُومِ (قَوْلُهُ لَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى التَّسْلِيمِ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ يُرَدُّ لِمِلْكِهِ صَارَ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ لَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَيْهِ

(قَوْلُهُ بَيْعُ عَمُودٍ) لَا مَفْهُومَ لَهُ أَوْ حَجَرٍ أَوْ خَشَبَةٍ أَوْ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْعَمُودُ اللُّغَوِيُّ أَيْ مَا يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ أَوْ لِغَيْرِهِ) أَيْ مِنْ مُسْتَأْجِرٍ وَمُسْتَعِيرٍ، وَيُبَاعُ بَعْدَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ أَوْ الْعَارِيَّةِ الْمُقَيَّدَةِ بِالزَّمَنِ أَوْ مُضِيِّ مَا يُعَارُ لَهُ مِنْ الْعَارِيَّةِ الْمُطْلَقَةِ (قَوْلُهُ أَيْ إضَاعَةُ الْمَالِ الْكَثِيرِ) أَيْ وَلِذَا عَرَّفَ الْإِضَاعَةَ (قَوْلُهُ أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ) أَيْ كَأَنْ يَكُونَ مُشْرِفًا عَلَى السُّقُوطِ أَوْ قَدَرَ عَلَى تَعْلِيقِ مَا عَلَيْهِ وَمَا ذُكِرَ مِنْ انْتِفَاءِ إضَاعَةِ الْمَالِ مِنْ جَانِبِ الْبَائِعِ فَقَطْ يُوجِبُ تَوَجُّهَ النَّفْسِ إلَى طَلَبِ الْفَرْقِ بَيْنَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي فِي هَذَا، وَلَا يَظْهَرُ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا.
(قَوْلُهُ وَالنَّهْيُ إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ حَاصِلَهُ أَنَّ الْمَدَارَ عَلَى كَوْنِ الْبِنَاءِ وَاقِعًا فِي مُقَابَلَةِ شَيْءٍ وَلَوْ يَسِيرًا وَمَتَى كَانَ كَذَلِكَ فَلَيْسَ فِيهِ إضَاعَةُ مَالٍ يُقَالُ لَهُ هُوَ وَإِنْ لَمْ يَقَعْ فِي مُقَابَلَةِ شَيْءٍ إلَّا أَنَّهُ لَمَّا بَاعَ الْعَمُودَ بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ فَيَنْزِلُ هَذَا الثَّمَنُ كَأَنَّهُ وَاقِعٌ فِي مُقَابَلَتِهِ وَمُقَابَلَةُ الْبِنَاءِ وَبَيْعُ الْغَبْنِ جَائِزٌ فَلَمْ يَلْزَمْ إضَاعَةُ الْمَالِ.
(أَقُولُ) بَلْ هَذَا يَقْضِي بِالْكَرِّ عَلَى قَوْلِهِ إضَاعَةُ الْمَالِ الْكَثِيرِ إلَخْ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ لِمَنْ تَأَمَّلَ وَفِي عب ظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ عَدَمُ الْجَوَازِ وَظَاهِرُ غَيْرِهِ الْجَوَازُ مُعَلِّلًا بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّ إضَاعَةَ الْمَالِ إنَّمَا تُمْنَعُ حَيْثُ وَقَعَتْ لَا فِي مُقَابَلَةِ عِوَضٍ أَصْلًا؛ لِأَنَّ بَيْعَ النَّفِيسِ بِثَمَنٍ يَسِيرٍ رَاجِعٌ لِبَيْعِ الْغَبْنِ أَوْ بَابِ السَّفَهِ وَكِلَاهُمَا حَقٌّ لِآدَمِيٍّ وَعَلَى هَذَا يَكُونُ الشَّرْطُ الْمَذْكُورُ غَيْرَ مُعْتَبَرٍ (قَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ تَنْتَفِ الْإِضَاعَةُ صَحَّ الْبَيْعُ) فَإِنْ قِيلَ هَلَّا اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ إنْ انْتَفَتْ

الصفحة 20