كتاب شرح مختصر خليل للخرشي (اسم الجزء: 5)

دَفْعِ مِثْلٍ أَوْ بَدَلِ رَأْسٍ أَوْ قِيمَتِهَا فَلَا يُنَافِي حِكَايَةَ الْخِلَافِ الْمُشَارِ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (ص) وَهَلْ التَّخْيِيرُ لِلْبَائِعِ أَوْ لِلْمُشْتَرِي قَوْلَانِ (ش) وَلَا بُدَّ مِنْ قَوْلِنَا بَدَلِ أَوْ مِثْلِ رَأْسٍ كَمَا قَرَّرْنَا؛ لِأَنَّ التَّخْيِيرَ الْمَذْكُورَ إنَّمَا هُوَ فِي حَالَةِ عَدَمِ الذَّبْحِ، وَلَا يُتَصَوَّرُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ دَفْعُ الرَّأْسِ وَنَحْوِهَا، وَأَمَّا حَيْثُ ذُبِحَتْ فَيَتَعَيَّنُ أَخْذُهَا إلَّا أَنْ تَفُوتَ فَقِيمَتُهَا وَهَلْ تُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ يَوْمَ اُسْتُحِقَّ أَخْذُهَا أَوْ يَوْمَ فَوَاتِهَا اُنْظُرْ فِي ذَلِكَ وَمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ أَخْذُهَا حَيْثُ ذُبِحَتْ وَلَمْ تَفُتْ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَخْذُ شَيْءٍ عَنْهَا وَلَوْ غَيْرَ لَحْمٍ وَهَذَا هُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا مَرَّ فِي مَسْأَلَةِ الْأَرْطَالِ وَهُوَ ظَاهِرُ مَا نَقَلَهُ أَبُو الْحَسَنِ.
وَلَكِنْ ذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الرَّاجِحَ أَنَّهُ يَجُوزُ أَخْذُ دَرَاهِمَ أَوْ عَرْضٍ أَيْ غَيْرِ لَحْمٍ عَنْهَا وَعَلَيْهِ فَيَفْتَرِقُ مَا يُجْبَرُ عَلَى الذَّبْحِ فِيهِ مِنْ غَيْرِهِ فِي هَذَا وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْأَرْطَالِ وَهَذِهِ أَنَّ فِي الْأَرْطَالِ بَيْعَ اللَّحْمِ الْمُغَيَّبِ بِخِلَافِ هَذِهِ ثُمَّ إنَّهُ أَنَّثَ قَوْلَهُ أَوْ قِيمَتَهَا نَظَرًا إلَى أَنَّ الرَّأْسَ بِمَعْنَى الْهَامَةِ (ص) وَلَوْ مَاتَ مَا اُسْتُثْنِيَ مِنْهُ مُعَيَّنٌ ضَمِنَ الْمُشْتَرِي جِلْدًا وَسَاقِطًا إلَّا لَحْمًا (ش) يُرِيدُ بِالْمُعَيَّنِ مَا قَابَلَ الْجُزْءَ الشَّائِعَ فَيَدْخُلُ فِي الْمُعَيَّنِ اسْتِثْنَاءُ الْجِلْدِ وَالرَّأْسِ وَالْأَرْطَالِ فَإِذَا مَاتَتْ الشَّاةُ الَّتِي اُسْتُثْنِيَ مِنْهَا شَيْءٌ مُعَيَّنٌ فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ يَضْمَنُ لِلْبَائِعِ مِثْلَ الْجِلْدِ وَالسَّاقِطِ وَهُوَ الرَّأْسُ وَالْأَكَارِعُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَجْبُورٍ عَلَى الذَّبْحِ فِيهِمَا؛ لِأَنَّ لَهُ دَفْعَ مِثْلِهِمَا فَكَأَنَّهُمَا فِي ذِمَّتِهِ وَلَا يَضْمَنُ لَهُ مِثْلَ اللَّحْمِ لِتَفْرِيطِ الْبَائِعِ فِي طَلَبِهِ بِالذَّبْحِ وَجَبْرُهُ عَلَيْهِ فَقَوْلُهُ مَا أَيُّ حَيَوَانٍ اُسْتُثْنِيَ مِنْهُ مُعَيَّنٌ، وَأَمَّا لَوْ مَاتَ مَا اُسْتُثْنِيَ مِنْهُ شَائِعٌ فَلَا ضَمَانَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِلْآخَرِ لِلشَّرِكَةِ وَقَوْلُهُ لَا لَحْمًا مَا لَمْ يَأْكُلْهَا الْمُشْتَرِي فَيَضْمَنُ مِثْلَ الْأَرْطَالِ؛ لِأَنَّهُ مِثْلِيٌّ

وَلَمَّا اُشْتُرِطَ فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ عَدَمُ الْجَهْلِ وَكَانَ الْجُزَافُ مِمَّا اُسْتُثْنِيَ مِنْ ذَلِكَ تَخْفِيفًا وَلِذَا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ هُوَ بَيْعُ مَا يُمْكِنُ عِلْمُ قَدْرِهِ دُونَ أَنْ يُعْلَمَ وَالْأَصْلُ مَنْعُهُ وَخُفِّفَ فِيمَا شَقَّ عِلْمُهُ أَوْ قَلَّ جَهْلُهُ اهـ. ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ عَاطِفًا عَلَى عَمُودٍ بِقَوْلِهِ (ص) وَجُزَافٍ (ش) أَيْ وَجَازَ بَيْعُ جُزَافٍ أَيْ صُودِفَ جُزَافًا، وَاتَّفَقَ أَنَّهُ جُزَافٌ لَا مَا كَانَ مَدْخُولًا عَلَيْهِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ تَأْتِيَ لِلَّحَّامِ مَثَلًا وَعِنْدَهُ صُبْرَةُ لَحْمٍ مُجَزَّفَةٌ، وَتَقُولَ لَهُ زِدْنِي؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ وَإِنْ كَانَ إنَّمَا يَحْصُلُ بَعْدَ الزِّيَادَةِ إلَّا أَنَّهُ دَخَلَ مَعَهُ عَلَى الْجُزَافِ وَشَرْطُهُ أَنْ لَا يَكُونَ مَدْخُولًا عَلَيْهِ، وَكَذَا لِلْعَطَّارِ فَيَدْفَعُ لَهُ دِرْهَمًا فَيَأْخُذُهُ وَيَجْعَلُ لَهُ شَيْئًا مِنْ الْأَبَازِيرِ أَوْ الْفُلْفُلِ مَثَلًا فِي كَاغَدٍ أَوْ يَكُونُ ذَلِكَ عِنْدَهُ قَبْلَ مَجِيئِهِ وَيَذْهَبُ بِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَفْتَحَهَا؛ لِأَنَّهُ جُزَافٌ مَدْخُولٌ عَلَيْهِ بَلْ الشَّرْطُ أَنْ يَفْتَحَهَا وَيَنْظُرَ مَا فِيهَا وَقَوْلُ ابْنِ عَرَفَةَ دُونَ أَنْ يَعْلَمَ أَيْ بِالْفِعْلِ أَيْ دُونَ أَنْ يَعْلَمَ الْمُتَعَاقِدَانِ قَدْرَهُ حَالَ الْعَقْدِ

(ص) إنْ رُئِيَ وَلَمْ يَكْثُرْ جِدًّا وَجَهِلَاهُ وَحَزَرَا
ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّ قَوْلَهُ وَخُيِّرَ فِي دَفْعٍ يَتَبَادَرُ مِنْهُ أَنَّ الَّذِي يُخَيَّرُ الْمُشْتَرِي فَيُنَافِي قَوْلَهُ بَعْدُ وَهَلْ التَّخْيِيرُ لِلْبَائِعِ هَذَا مَا اقْتَضَاهُ قَوْلُهُ فَلَا يُنَافِي إلَخْ مَعَ أَنَّ عَدَمَ الْمُنَافَاةِ لَا يَحْصُلُ إلَّا إذَا أُرِيدَ مِنْ دَفْعِ مَصْدَرِ الْمَبْنِيِّ لِلْمَفْعُولِ أَيْ فِي أَنْ تُدْفَعَ رَأْسٌ.
(قَوْلُهُ يَوْمَ اسْتَحَقَّ أَخْذَهَا) أَيْ وَهُوَ يَوْمُ الذَّبْحِ وَقَوْلُهُ أَوْ يَوْمُ الْفَوَاتِ أَيْ الَّذِي قَدْ يَكُونُ بَعْدَ يَوْمِ الذَّبْحِ (قَوْلُهُ هُوَ الْمُوَافِقُ) كَذَا بِالْأَصْلِ بِدُونِ وَاوٍ وَالْمُنَاسِبُ زِيَادَةُ الْوَاوِ (قَوْلُهُ أَيْ غَيْرُ لَحْمٍ عَنْهَا) ظَاهِرُ عِبَارَتِهِ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ دَفْعُ الْبَدَلِ وَأَنَّ الْمُتَعَيِّنَ إمَّا دَفْعُ الْأَصْلِ أَوْ قِيمَتُهُ لَا رَأْسٌ أُخْرَى مِثْلُ الرَّأْسِ الْأَوَّلِ، وَكَذَا قَضِيَّةُ عج فَيَرِدُ أَنَّهُ مَا الْفَرْقُ حِينَ عَدَمِ الذَّبْحِ يُخَيَّرُ بَيْنَ دَفْعِ رَأْسٍ أَوْ الْقِيمَةِ وَحِينَ الذَّبْحِ، أَمَّا الْقِيمَةُ أَوْ الْأَصْلُ لَا الْبَدَلُ (قَوْلُهُ فَيَفْتَرِقُ مَا يُجْبَرُ عَلَى الذَّبْحِ) أَيْ وَهُوَ الْأَرْطَالُ (قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ فَيَفْتَرِقُ) أَيْ فِي الْحُكْمِ.
(قَوْلُهُ وَهَذِهِ) أَيْ الْمَسْأَلَةُ الْمُشَارُ لَهَا بِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَخُيِّرَ فِي دَفْعِ رَأْسٍ إلَخْ (قَوْلُهُ بِيعَ اللَّحْمُ الْمُغَيَّبُ) أَيْ أَنَّ الْمُسْتَثْنَى بَاعَ الْأَرْطَالَ الْمُغَيَّبَةَ وَفِيهِ مَا تَقَدَّمَ وَقَوْلُهُ بِخِلَافِ هَذِهِ أَيْ فَإِنَّ الرَّأْسَ مُتَمَيِّزَةٌ بِذَاتِهَا فَهِيَ مُعَيَّنَةٌ (قَوْلُهُ مَا لَمْ يَأْكُلْهَا الْمُشْتَرِي) أَيْ إلَّا أَنْ يَأْكُلَهَا الْمُشْتَرِي وَهُوَ اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ؛ لِأَنَّ الْأَكْلَ لَا يَكُونُ إلَّا إذَا ذُكِّيَتْ ذَكَاةً شَرْعِيَّةً وَفَرْضُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهَا مَاتَتْ فَلَمْ تُذَكَّ ذَكَاةً شَرْعِيَّةً إلَّا أَنْ تُحْمَلَ عَلَى مَا إذَا كَانَ رَبُّهَا مُضْطَرًّا يُبَاحُ لَهُ أَكْلُهَا فَأَكَلَهَا الْمُشْتَرِي مُخْتَارًا أَوْ مُضْطَرًّا فَيَضْمَنُ مِثْلَهَا وَلْيُحَرَّرْ

(قَوْلُهُ وَلِذَا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ) أَيْ وَلِأَجْلِ كَوْنِهِ اسْتَثْنَى (قَوْلُهُ مَا يُمْكِنُ عِلْمُ قَدْرِهِ) احْتِرَازًا مِمَّا لَوْ كَثُرَ جِدًّا فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا أَنَّ عِبَارَتَهُ تَصْدُقُ بِالصَّحِيحِ وَالْفَاسِدِ؛ لِأَنَّ مَا يُمْكِنُ عِلْمُ قَدْرِهِ صَادِقٌ بِالْكَثِيرِ لَا جِدًّا وَصَادِقٌ بِالْقَلِيلِ الَّذِي لَا مَشَقَّةَ فِي عَدِّهِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ مَشَقَّةَ الْعَدِّ شَرْطٌ خَارِجٌ عَنْ الْمَاهِيَّةِ كَمَا فِي الشُّرُوطِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُؤَلِّفُ (قَوْلُهُ فِيمَا شَقَّ عِلْمُهُ) أَيْ عِلْمُ عَدَدِهِ فَهَذَا فِي الْمَعْدُودِ فَلَوْ أَمْكَنَ عَدُّهُ بِدُونِ مَشَقَّةٍ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ جُزَافًا، وَقَوْلُهُ أَوْ قَلَّ جَهْلُهُ أَيْ أَوْ لَمْ يَشُقَّ عِلْمُهُ بِأَنْ كَانَ يَسْهُلُ كَيْلُهُ أَوْ وَزْنُهُ لَكِنْ قَلَّ جَهْلُهُ بِأَنْ لَمْ يَكْثُرْ جِدًّا فَيُمْكِنُ حَزْرُهُ فَهَذَا فِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَعْدُودَ لَوْ قَلَّ جِدًّا فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ جُزَافًا، وَالْمَكِيلُ وَالْمَوْزُونُ يَجُوزُ بَيْعُهُ جُزَافًا وَلَوْ قَلَّ، وَأَمَّا الْكَثِيرُ جِدًّا فَيَمْتَنِعُ فِي الْكُلِّ الْمَعْدُودِ وَالْمَوْزُونِ وَالْمَكِيلِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي الْكُلِّ مِنْ الْجَهْلِ الْقَلِيلِ الَّذِي يُمْكِنُ مَعَهُ الْحَزْرُ (قَوْلُهُ وَجُزَافٍ) مُثَلَّثِ الْجِيمِ (قَوْلُهُ أَيْ صُودِفَ جُزَافًا) قَرَّرَ شَيْخُنَا السَّلْمُونِيُّ أَنَّ الْمُصَادَفَةَ جُزَافًا إنَّمَا هِيَ فِي الْمَعْدُودِ فَعَلَيْهِ فَمَا قَالَهُ الشَّارِحُ لَا يُسَلَّمُ وَنَقَلَ شَيْخُنَا عَبْدُ اللَّهِ عَنْ شَيْخِهِ مُحَمَّدِ بْنِ الشَّيْخِ عب أَنَّ الْحَقَّ أَنَّ اشْتِرَاطَ مُصَادَفَةِ الْجُزَافِيَّةِ غَيْرُ مَعْمُولٍ بِهِ عِنْدَ الْمُتَقَدِّمِينَ وَلَا عِنْدَ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَإِنْ أَخَذَ بَعْضُهُمْ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ ابْنِ رُشْدٍ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ جُزَافٌ مَدْخُولٌ عَلَيْهِ) لَا يَظْهَرُ فِي قَوْلِهِ أَوْ يَكُونُ إلَخْ؛ لِأَنَّ عِلَّةَ الْمَنْعِ فِيهِ عَدَمُ الرُّؤْيَةِ لَا كَوْنُهُ مَدْخُولًا عَلَيْهِ نَعَمْ قَوْلُهُ بَلْ الشَّرْطُ ظَاهِرٌ

(قَوْلُهُ وَلَمْ يَكْثُرْ جِدًّا) صَادِقٌ بِالْقَلِيلِ مُطْلَقًا جِدًّا أَوْ غَيْرَ جِدٍّ وَبِالْكَثِيرِ لَا جِدًّا وَهُوَ ظَاهِرٌ إلَّا أَنَّ الْمَعْدُودَ وَلَا بُدَّ أَنْ لَا يَكُونَ قَلِيلًا بِحَيْثُ يُمْكِنُ عَدُّهُ بِلَا مَشَقَّةٍ، فَلِذَلِكَ احْتَاجَ لِلتَّنْبِيهِ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ وَلَمْ يُعَدَّ (قَوْلُهُ وَجَهِلَاهُ) أَيْ مِنْ الْجِهَةِ الَّتِي

الصفحة 27