كتاب شرح مختصر خليل للخرشي (اسم الجزء: 5)

لَا يُؤَخِّرُهُ وَيَضْرِبُهُ بِاجْتِهَادِهِ إلَى أَنْ يَدْفَعَ وَلَوْ أَدَّى إلَى إتْلَافِ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ مُلِدٌّ
(ص) ضُرِبَ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ (ش) ، أَيْ: وَضُرِبَ مَعْلُومُ الْمَلَاءِ سَوَاءٌ عَلِمَ بِالنَّاضِّ أَمْ لَا فَهُوَ عَطْفٌ عَلَى أُجِّلَ لَا عَلَى عَلِمَ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ بِاجْتِهَادِ الْحَاكِمِ وَبِعِبَارَةٍ هَذَا فِي مَجْهُولِ الْحَالِ لِاتِّهَامِهِ عَلَى إخْفَاءِ مَالٍ وَفِي مَعْلُومِ الْمَلَاءِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَلَاءِ إنْ تَفَالَسَ
(ص) وَإِنْ شَهِدَ بِعُسْرِهِ أَنَّهُ لَا يُعْرَفُ لَهُ مَالٌ ظَاهِرٌ، وَلَا بَاطِنٌ حَلَفَ كَذَلِكَ وَزَادَ وَإِنْ وَجَدَ لَيَقْضِيَنَّ (ش) يَعْنِي أَنَّ مَنْ جُهِلَ حَالُهُ وَظَاهِرُ الْمَلَاءِ إذَا شَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ عِنْدَ الْقَاضِي بِعُسْرِهِ شَهَادَةً عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ لَا عَلَى الْبَتِّ أَنَّهَا لَا تَعْرِفُ لَهُ مَالًا ظَاهِرًا، وَلَا بَاطِنًا حَلَفَ وُجُوبًا عَلَى طِبْقِ شَهَادَةِ الشُّهُودِ أَنَّهُ لَا يَعْرِفُ لَهُ مَالًا ظَاهِرًا، وَلَا بَاطِنًا وَيَزِيدُ فِي يَمِينِهِ وَإِنْ وَجَدَ الْمَالَ لَيَقْضِيَنَّ الْحَقَّ لِغُرَمَائِهِ زَادَ بَعْضُهُمْ وَلَيُؤَدِّيَنَّ الدَّيْنَ عَاجِلًا وَإِنْ كَانَ مُسَافِرًا عُجِّلَ لِأَوْبَةٍ، وَقَوْلُهُ: (ص) وَأُنْظِرَ (ش) إشَارَةٌ إلَى الِاحْتِجَاجِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: 280] رَدًّا عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ فِي قَوْلِهِ أَنَّ صَاحِبَ الدَّيْنِ يُلَازِمُ الْغَرِيمَ وَوَجْهُ الدَّلِيلِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ إنْظَارَهُ إلَى الْيُسْرِ وَفُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ لَا يُعْرَفُ أَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ لَا عَلَى الْبَتِّ، وَإِلَّا بَطَلَتْ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ لَهُ مَالٌ لَمْ يُعْلَمْ بِهِ وَفَائِدَةُ زِيَادَةِ وَإِنْ وَجَدَهُ لَيَقْضِيَنَّ تَظْهَرُ فِيمَا إذَا ادَّعَى الطَّالِب عَلَيْهِ أَنَّهُ أَفَادَ مَالًا وَلَمْ يَأْتِ بِبَيِّنَةٍ فَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ لِتَقَدُّمِ هَذَا الْيَمِينِ وَلَوْلَاهَا لَحَلَّفَهُ وَجَعَلْنَا قَوْلَهُ وَإِنْ شَهِدَ بِعُسْرِهِ إلَخْ فِي مَجْهُولِ الْحَالِ وَظَاهِرُ الْمَلَاءِ فَقَطْ؛ لِأَنَّ مَعْلُومَ الْمَلَاءِ لَا تَنْفَعُهُ إلَّا الْبَيِّنَةُ الشَّاهِدَةُ بِذَهَابِ مَا بِيَدِهِ، وَلَا يَكْفِي قَوْلُهَا لَا نَعْرِفُ لَهُ مَالًا ظَاهِرًا، وَلَا بَاطِنًا، وَمِثْلُهُ فِي ذَلِكَ مَنْ يُقِرُّ بِقُدْرَتِهِ وَمَلَائِهِ عَلَى دَفْعِ الْحَقِّ مَا لَمْ تَقُمْ قَرِينَةٌ عَلَى كَذِبِهِ فِي إقْرَارِهِ، وَمِثْلُهُ أَيْضًا مَنْ عُرِفَ بِأَخْذِ أَمْوَالِ النَّاسِ وَعُلِمَ عَدَمُ ضَيَاعِهَا، أَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُنَجَّمٌ يُؤَدِّي مِنْهُ شَيْئًا فَشَيْئًا فَأَدَّى الْبَعْضَ وَادَّعَى الْعُدْمَ فِي الْبَاقِي أَوْ طَلَبَ بِنَفَقَةِ وَلَدِهِ بَعْدَ طَلَاقِ أُمِّهِ فَادَّعَى الْعَجْزَ عَنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يُنْفِقُ عَلَيْهِ وَعَلَى أُمِّهِ أَمْسِ وَهُوَ الْآنَ أَقْدَرُ لِزَوَالِ نَفَقَةِ الْأُمِّ.

(ص) وَحَلَفَ الطَّالِبُ
ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعِبَارَةِ وَقَوْلُهُ وَبِعِبَارَةٍ إلَخْ لَا يَخْفَى أَنَّهُ عَلَى هَذِهِ الْعِبَارَةِ لَا يَتَقَيَّدُ بِالْمُفَلَّسِ، وَقَوْلُهُ: فَلَا يَحْلِفُ الْأَظْهَرُ تَحْلِيفُهُ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ مَعْلُومَ الْمَلَاءِ عِنْدَنَا بِعُرُوضٍ فَيَتَحَمَّلُ عِنْدَهُ نَاضٌّ وَعَدَمُهُ فَيَظْهَرُ تَحْلِيفُهُ (قَوْلُهُ: وَلَوْ أَدَّى إلَى إتْلَافِ نَفْسِهِ) ، أَيْ: وَلَمْ يَظُنَّ أَنَّهُ يَمُوتُ، وَأَمَّا لَوْ ظَنَّ أَنَّهُ يَمُوتُ فَيَقْتُلُ فِيهِ الْحَاكِمُ (قَوْلُهُ: وَضُرِبَ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ) قَالَ عج وَانْظُرْ هَلْ فِي مَجْلِسٍ، أَوْ بِاجْتِهَادِ الْحَاكِمِ وَهَذَا الثَّانِي هُوَ الظَّاهِرُ اهـ.
(قَوْلُهُ:، أَيْ: وَضُرِبَ مَعْلُومُ الْمَلَاءِ) هَذَا هُوَ الَّذِي يُفِيدُهُ نَصُّ الْمَوَّاقِ فَقَالَ فِيهِ ابْنُ رُشْدٍ الْوَجْهُ الثَّالِثُ حَبْسُ مَنْ يَقْعُدُ عَلَى أَمْوَالِ النَّاسِ وَادَّعَى الْعُدْمَ فَتَبَيَّنَ كَذِبُهُ فَإِنَّهُ يُحْبَسُ حَتَّى يُؤَدِّيَ أَمْوَالَ النَّاسِ، أَوْ يَمُوتَ فِي السِّجْنِ قَالَ سَحْنُونَ وَيُضْرَبُ بِالدَّرَّةِ الْمَرَّةَ بَعْدَ الْمَرَّةِ، وَلَا يُنْجِيهِ مِنْ الضَّرْبِ، وَالسِّجْنِ إلَّا حَمِيلٌ غَارِمٌ كَذَا قَالَ الْمَوَّاقُ فِي حِلِّ قَوْلِهِ كَمَعْلُومِ الْمَلَاءِ، ثُمَّ قَالَ فِي قَوْلِهِ ضُرِبَ مَا نَصُّهُ تَقَدَّمَ نَصُّ سَحْنُونَ وَيُضْرَبُ بِالدِّرَّةِ الْمَرَّةَ بَعْدَ الْمَرَّةِ (قَوْلُهُ: فَهُوَ عَطْفٌ عَلَى أَجَلٍ) يَقْتَضِي شُمُولَهُ لِظَاهِرِ الْمَلَاءِ.
(قَوْلُهُ: لَا عَلَى عِلْمٍ إلَخْ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ لَا عَلَى وَإِنْ عَلِمَ إلَخْ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي قَصْرَهُ عَلَى الَّذِي عُلِمَ بِالنَّاضِّ (قَوْلُهُ: لِإِتْمَامِهِ عَلَى إخْفَاءِ مَالٍ) وَكَذَا يُقَالُ فِي ظَاهِرِ الْمَلَاءِ إنْ تَفَالَسَ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا مُخَالِفٌ لِمَا أَفَادَهُ نَصُّ الْمَوَّاقِ، ثُمَّ أَقُولُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى مَا إذَا قَوِيَتْ التُّهْمَةُ (قَوْلُهُ: إنَّهُ) بَدَلٌ مِنْ بِعُسْرِهِ فَهُوَ بِفَتْحِ أَنَّ وَيَجُوزُ الْكَسْرُ عَلَى أَنَّهُ مَعْمُولٌ لِمُقَدَّرٍ (قَوْلُهُ: ظَاهِرٌ) ، وَلَا بَاطِنُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَحْلِفُ عَلَى الْبَتِّ وَعَلَى مَا لِلْمُصَنِّفِ إنْ تَرَكَ مِنْ الْيَمِينِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا لَمْ تَعُدْ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ عَلَى نِيَّةِ الْمُحَلَّفِ كَذَا يَنْبَغِي بَلْ إذَا امْتَنَعَ مِنْهُمَا لَا يُجْبَرُ عَلَيْهِمَا فَإِنْ قُلْت: فَإِذَا كَانَ الْيَمِينُ عَلَى نِيَّةِ الْمُحَلِّفِ فَلِمَ طَلَبَ بِالْحَلِفِ عَلَى الْبَاطِنِ قُلْت: لِزِيَادَةِ الْإِرْهَابِ الَّتِي رُبَّمَا أَوْجَبَتْ إظْهَارَ مَا أَخْفَاهُ (قَوْلُهُ: وَيَزِيدُ فِي يَمِينِهِ إلَخْ) قَالَ ابْنُ الْهِنْدِيِّ وَهَذَا اسْتِظْهَارٌ، وَالْيَمِينُ الْمَذْكُورَةُ كَافِيَةٌ؛ لِأَنَّهَا عَلَى نِيَّةِ الْمُحَلِّفِ لَهُ، وَالضَّابِطُ أَنَّ كُلَّ بَيِّنَةٍ شَهِدَتْ بِظَاهِرٍ فَإِنَّهُ يَسْتَظْهِرُ عَلَى بَاطِنِ الْأَمْرِ بِيَمِينِ مَنْ شَهِدَتْ لَهُ الْبَيِّنَةُ بِخِلَافِ مَنْ شَهِدَتْ لَهُ الْبَيِّنَةُ بِالظَّاهِرِ، وَالْبَاطِنِ كَمَا لَوْ شَهِدَتْ بِأَنَّ فُلَانًا غَصَبَ كَذَا، أَوْ دَفَعَ كَذَا وَقَالَ كَذَا فَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: وَلَيُؤَدِّيَن الدَّيْنَ عَاجِلًا) فَائِدَةُ زِيَادَتِهِ أَنْ يَصِيرَ آمِنًا مِنْ مَطْلِهِ إذْ لَوْ لَمْ يَذْكُرْهُ وَقَضَاهُ بَعْدَ زَمَنٍ طَوِيلٍ لِبِرٍّ فِي يَمِينِهِ وَفِيهِ ضَرَرٌ عَلَى صَاحِبِ الْحَقِّ لَا يَخْفَى.
(قَوْلُهُ: وَإِلَّا بَطَلَتْ) وَانْظُرْ هَلْ يُغْتَفَرُ ذَلِكَ لِلْعَوَامِّ، أَوْ لَا، وَأَمَّا إذَا احْتَمَلَتْ الشَّهَادَةُ الْبَتَّ، وَالْعِلْمَ فَفِي بُطْلَانِهَا قَوْلَانِ كَمَا لَوْ قَالُوا إنَّهُ فَقِيرٌ عَدِيمٌ لَا مَالَ لَهُ ظَاهِرٌ، وَلَا بَاطِنٌ (قَوْلُهُ: وَإِنْ وَجَدَهُ لَيَقْضِيَنَّ) هَذِهِ اللَّامُ لَا تَدْخُلُ فِي جَوَابِ إنْ فَهِيَ جَوَّابٌ لِقَسَمٍ مُقَدَّرٍ كَمَا قَالَ ابْنُ مَالِكٍ
وَاحْذِفْ لَدَى اجْتِمَاعِ شَرْطٍ وَقَسَمْ ... جَوَابَ مَا أَخَّرْتَ فَهْوَ مُلْتَزَمْ
لَا يُقَالُ يَلْزَمُ تَكْرَارُ الْقَسَمِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ هَذَا أَمْرٌ صِنَاعِيٌّ بَدَرَ وَوَجَدَ بِمَعْنَى أَصَابَ وَلِذَلِكَ تَعَدَّتْ لِوَاحِدٍ وَمَصْدَرُهُ الْوُجُودُ (قَوْلُهُ: تَظْهَرُ إلَخْ) قَالَ عج وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ زِيَادَةَ قَوْلِهِ وَإِنْ وَجَدَ مَالًا لَيَقْضِيَنَّ مِنْ حَقِّ الْحَالِفِ فَلَهُ تَرْكُهَا إلَّا أَنْ يُقَالَ لَمَّا كَانَ الشَّارِعُ نَاظِرًا لِتَرْكِ الْخُصُومَاتِ وَلِتَقَلُّلِهَا وَجَبَتْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ وَإِنْ أَرَادَ الْحَالِفُ تَرْكَهَا لِاشْتِمَالِهَا عَلَى غَرَضِ الشَّارِعِ اهـ وَقَدْ عَلِمْت كَلَامَ ابْنِ الْهِنْدِيِّ (قَوْلُهُ: إلَّا الْبَيِّنَةَ الشَّاهِدَةَ بِذَهَابِ مَالِهِ) كَأَنْ تَقُولَ الْبَيِّنَةُ شَاهَدْنَا مَالَهُ بِيَدِ السَّلَّابَةِ أَوْ حُرِقَ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: فَأَدَّى الْبَعْضَ وَادَّعَى الْعُدْمَ إلَخْ) ، أَيْ: وَحَالَتُهُ لَمْ تَتَغَيَّرْ.

(قَوْلُهُ: وَحَلَّفَ الطَّالِبَ إلَخْ) فَاعِلُ حَلَّفَ مَنْ اسْتَحَقَّ السِّجْنَ فَيَدْخُلُ فِيهِ مَجْهُولُ الْحَالِ وَظَاهِرُ الْمَلَاءِ وَمَعْلُومُهُ إلَّا مَنْ عَلِمَ بِالنَّاضِّ فَلَا يُحَلِّفُ الطَّالِبَ كَمَا نَقَلَهُ الزَّرْقَانِيُّ وَلَعَلَّ وَجْهَ تَحْلِيفِ مَعْلُومِ الْمَلَاءِ لِلطَّالِبِ أَنَّهُ يَقُولُ مَا عَلِمَتْ النَّاسُ مِنْ مَلَائِي فَهُوَ بِحَسَبِ مَا يَظْهَرُ لَهُمْ وَأَنْتَ تَعْلَمُ بَاطِنَ الْأَمْرِ وَأَنِّي مُعْدِمٌ

الصفحة 278