كتاب شرح مختصر خليل للخرشي (اسم الجزء: 5)

وَاسْتَوَتْ أَرْضُهُ وَلَمْ يَعُدْ بِلَا مَشَقَّةٍ وَلَمْ تُقْصَدْ أَفْرَادُهُ إلَّا أَنْ يَقِلَّ ثَمَنُهُ (ش) هَذَا شُرُوعٌ فِي شُرُوطِ الْجُزَافِ مِنْهَا أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ مَرْئِيًّا أَيْ حَاضِرًا لَا غَائِبًا عَنْ مَجْلِسِ الْعَقْدِ وَلَوْ كَانَ عَلَى كَيْلٍ أَوْ مُغَيَّبًا فِي تِبْنِهِ وَعَلَى هَذَا فَلَا يُشْكِلُ جَوَازُ شِرَاءِ الظَّرْفِ الْمَمْلُوءِ جُزَافًا مَعَ أَنَّ الْمَرْئِيَّ مِنْهُ بَعْضُهُ؛ لِأَنَّهُ حَاضِرٌ وَهُوَ فِي مَوْضِعِ الصِّفَةِ لِجُزَافٍ أَيْ وَجُزَافٍ مَرْئِيٍّ، وَإِنَّمَا قُلْنَا فِي مَوْضِعِ الصِّفَةِ؛ لِأَنَّ الْجُمْلَةَ الشَّرْطِيَّةَ لَا تَقَعُ صِفَةً وَاعْلَمْ أَنَّ الْجُزَافَ قَدْ يُكْتَفَى بِرُؤْيَةِ بَعْضِهِ كَمَا فِي مُغَيَّبِ الْأَصْلِ وَكَمَا فِي بَيْعِ مَا فِي الظَّرْفِ حَيْثُ وَجَدَهُ مَمْلُوءًا وَلَا يُشْتَرَطُ رُؤْيَةُ بَاطِنِهَا.
وَهَذَا مُرَادُ مَنْ قَالَ يَكْتَفِي بِرُؤْيَةِ بَعْضِهِ فِي الْجُزَافِ، وَلَيْسَ مُرَادُهُ أَنَّهُ يَكْفِي رُؤْيَةُ الْبَعْضِ مُنْفَصِلًا عَنْهَا وَقَدْ يُبَاعُ الْجُزَافُ مَعَ عَدَمِ رُؤْيَةِ شَيْءٍ مِنْهُ لِلضَّرُورَةِ كَمَا فِي قِلَالِ الْخَلِّ إنْ كَانَ يُفْسِدُهَا الْفَتْحُ لَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ كَوْنِهَا مَمْلُوءَةً أَوْ عَلِمَ مَا نَقَصَ مِنْهَا مِنْ ثُلُثٍ وَنَحْوِهِ وَيَكْفِي عِلْمُ الْمُشْتَرِي بِذَلِكَ وَلَوْ مِنْ الْبَائِعِ كَمَا يُفِيدُهُ مَا نَقَلَهُ ح وَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ صِفَةِ مَا فِيهَا مِنْ الْخَلِّ وَمِنْهَا أَنْ لَا يَكْثُرَ الْمَبِيعُ كَثْرَةً بَلِيغَةً بِحَيْثُ يَتَعَذَّرُ حَزْرُهُ.
وَأَمَّا أَصْلُ الْكَثْرَةِ فَلَا بُدَّ مِنْهُ وَمِنْهَا أَنْ يَجْهَلَ الْمُتَبَايِعَانِ قَدْرَ الْمَبِيعِ مِنْ كَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ أَوْ عَدَدٍ؛ لِأَنَّهُ مَتَى عَلِمَ أَحَدُهُمَا وَجَهِلَ الْآخِرُ كَانَ الَّذِي عَلِمَ قَدْ قَصَدَ إلَى خَدِيعَةِ الَّذِي جَهِلَ وَبِعِبَارَةٍ احْتِرَازًا مِمَّا لَوْ كَانَا عَالِمَيْنِ بِقَدْرِهِ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يَكُونُ مِنْ بَيْعِ الْجُزَافِ، وَمِمَّا لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا عَالِمًا فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ الْعَقْدُ سَوَاءٌ أَعْلَمَهُ بِعِلْمِهِ أَمْ لَا لَكِنْ إنْ أَعْلَمَهُ فَسَدَ وَإِلَّا فَلَا وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ الْمُتَبَايِعَانِ مِنْ أَهْلِ الْحَزْرِ بِأَنْ يَكُونَا مِنْ قَوْمٍ اعْتَادُوهُ وَإِنْ يَحْزِرَا بِالْفِعْلِ وَمِنْهَا أَنْ تَسْتَوِيَ أَرْضُ الْمَبِيعِ مِنْ انْخِفَاضٍ وَارْتِفَاعٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَعَ الْعَقْدُ عَلَيْهَا كَبَيْعِهِ عَدَدًا، وَهُمَا يَجْهَلَانِ عَدَدَهُ وَيَعْرِفَانِ وَزْنًا؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ إذَا كَانَ لَهُ جِهَتَانِ كَوَزْنٍ وَعَدَدٍ لَكِنْ جَهْلُهُ مِنْ الْجِهَةِ الَّتِي وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَيْهَا (قَوْلُهُ: وَلَمْ يُعَدَّ بِلَا مَشَقَّةٍ) أَيْ بِأَنْ عُدَّ بِمَشَقَّةٍ؛ لِأَنَّ نَفْيَ النَّفْيِ إثْبَاتٌ (قَوْلُهُ وَلَمْ تُقْصَدْ أَفْرَادُهُ) أَيْ الْجُزَافِ بِمَعْنَى الْمُجَزَّفِ، وَقَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَقِلَّ ثَمَنُهُ مُسْتَثْنًى مِنْ الْمَفْهُومِ أَيْ فَإِذَا قُصِدَتْ أَفْرَادُهُ فَلَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَقِلَّ ثَمَنُهُ.
(قَوْلُهُ أَيْ حَاضِرًا لَا غَائِبًا) هَذَا يُخْرِجُ اللَّفْظَ عَنْ ظَاهِرِهِ فَيُنَافِيهِ قَوْلُهُ أَوْ مُغَيَّبٌ فِي تِبْنِهِ فَالْأَحْسَنُ أَنْ يُفَسَّرَ بِالرُّؤْيَةِ عَلَى حَقِيقَتِهَا؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهَا (قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ عَلَى كَيْلٍ) أَيْ وَلَوْ كَانَ جُزَافًا عَلَى كَيْلٍ فَعَلَى مَا قَالَهُ لَا يُبَاعُ الْجُزَافُ بِرُؤْيَةٍ مُتَقَدِّمَةٍ سَوَاءٌ بِيعَ عَلَى الْكَيْلِ أَمْ لَا وَفِي الْمَذْهَبِ أَقْوَالٌ الْأَوَّلُ يُبَاعُ بِهَا الثَّانِي لَا يُبَاعُ بِهَا، وَلَا بُدَّ مِنْ الرُّؤْيَةِ حَالَةَ الْعَقْدِ، الثَّالِثُ يَكْتَفِي بِالرُّؤْيَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ عَلَى الْعَقْدِ فِي الثِّمَارِ عَلَى أُصُولِهَا وَفِي الزَّرْعِ الْقَائِمِ وَلَا يَكْتَفِي بِهَا فِي بَيْعِ الصُّبْرَةِ جُزَافًا، وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ مَا حَاصِلُهُ أَنَّ الْجُزَافَ سَوَاءٌ كَانَ حَبًّا أَوْ زَرْعًا قَائِمًا وَسَوَاءٌ كَانَ فَدَادِينَ أَمْ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ عَلَى رُؤْيَةٍ مُتَقَدِّمَةٍ لَا عَلَى الصِّفَةِ وَأَمَّا مَا بِيعَ عَلَى الْكَيْلِ فَيَجُوزُ بَيْعُهُ عَلَى الصِّفَةِ وَعَلَى رُؤْيَةٍ مُتَقَدِّمَةٍ وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ لَا يُبَاعُ الْحَبُّ جُزَافًا عَلَى رُؤْيَةٍ مُتَقَدِّمَةٍ ضَعِيفٌ، وَإِنْ كَانَ هُوَ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ.
(قَوْلُهُ أَوْ مُغَيَّبٌ فِي تِبْنِهِ) مَعْطُوفٌ عَلَى غَائِبٌ وَإِنْ كَانَ الرَّسْمُ لَا يُسَاعِدُهُ، وَكَأَنَّهُ قَالَ لَا غَائِبًا عَنْ مَجْلِسِ الْعَقْدِ وَلَا مُغَيَّبًا فِي تِبْنِهِ إلَّا أَنَّك خَبِيرٌ بِأَنَّ هَذَا مِمَّا يَقْضِي بِإِبْقَاءِ لَفْظِ الرُّؤْيَةِ عَلَى حَقِيقَتِهِ، وَإِلَّا لَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِهَا الْحُضُورَ لَصَحَّ الْعَقْدُ عَلَى الْقَمْحِ الْمُغَيَّبِ فِي أَصْلِهِ إذَا كَانَ حَاضِرًا مَعَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُعْطَفَ عَلَى كَيْلٍ أَيْ وَلَوْ كَانَ مُغَيَّبًا فِي تِبْنِهِ فَيَقْتَضِي جَوَازَهُ؛ لِأَنَّهُ حَاضِرٌ مَعَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ رُؤْيَتِهِ، وَلَا يَكْفِي تَغْيِيبُهُ فِي تِبْنِهِ إلَّا عَلَى شِرَائِهِ جُزَافًا عَلَى الْكَيْلِ (قَوْلُهُ وَعَلَى هَذَا) أَيْ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالرُّؤْيَةِ الْحُضُورُ وَهَذَا كُلُّهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالرُّؤْيَةِ رُؤْيَتُهُ كُلُّهُ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ حَاضِرٌ إلَخْ) يُقَالُ لَهُ يَصِحُّ أَنْ يُرَادَ بِالرُّؤْيَةِ حَقِيقَتُهَا وَيُرَادُ مَرْئِيًّا كُلُّهُ أَوْ بَعْضُهُ (قَوْلُهُ كَمَا فِي مُغَيَّبِ الْأَصْلِ) بِأَنْ يَنْتَزِعَ عَنْ الْأَرْضِ فُجْلَةً وَيَنْظُرَ رَأْسَهَا (قَوْلُهُ وَلَيْسَ مُرَادُهُ إلَخْ) هَذَا فِي غَيْرِ الْجُزَافِ عَلَى الْكَيْلِ.
(قَوْلُهُ وَقَدْ يُبَاعُ الْجُزَافُ إلَخْ) وَقَدْ يُبَاعُ مَعَ عَدَمِ رُؤْيَةِ شَيْءٍ مِنْهُ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ كَبَيْعِ ثَمَرَةِ حَائِطٍ غَائِبٍ جُزَافًا بِالصِّفَةِ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَرَفَةَ فَقَالَ اشْتِرَاطُ الرُّؤْيَةِ فِي بَيْعِ الْجُزَافِ مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ الْغَرَرِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ فِي ثَمَرَةِ الْحَائِطِ فَإِنَّهُ قَالَ فِيهَا عَنْ مَالِكٍ، وَكَذَلِكَ الْحَائِطُ الْغَائِبَةُ يُبَاعُ ثَمَرُهُ كَيْلًا أَوْ جُزَافًا أَيْ عَلَى الصِّفَةِ، وَهِيَ عَلَى مَسِيرَةِ خَمْسَةِ أَيَّامٍ وَلَا يَجُوزُ النَّقْدُ فِيهَا بِشَرْطٍ، وَإِنْ بَعُدَ جِدًّا كَأَفْرِيقِيَّةَ مِنْ مِصْرَ لَمْ يَجُزْ شِرَاءُ ثَمَرَتِهَا فَقَطْ؛ لِأَنَّهَا تُجَذُّ قَبْلَ الْوُصُولِ إلَيْهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ ثَمَرًا يَابِسًا انْتَهَى.
(قَوْلُهُ: وَأَمَّا أَصْلُ الْكَثْرَةِ فَلَا بُدَّ مِنْهُ) لَا يَظْهَرُ هَذَا فِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ حِينَئِذٍ مِنْ بَيْعِ الْجُزَافِ) ؛ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ لَهُمَا، وَالْفَسَادُ إنَّمَا هُوَ إذَا حَصَلَ الْجَهْلُ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ وَهَذَا إذَا فُسِّرَ الْجُزَافُ بِمَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَرَفَةَ، وَأَمَّا إذَا فُسِّرَ بِبَيْعِ الشَّيْءِ بِلَا كَيْلٍ وَلَا وَزْنٍ وَلَا عَدَدٍ الصَّادِقُ بِذَلِكَ جُعِلَ قَوْلُهُ أَوْ جَهِلَاهُ لِلِاحْتِرَازِ عَمَّا إذَا عَلِمَاهُ (قَوْلُهُ سَوَاءٌ أَعْلَمَهُ بِعِلْمِهِ أَمْ لَا) لَكِنْ إنْ لَمْ يُعْلِمْهُ فَالْحُرْمَةُ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْعَالِمِ فَقَطْ، وَإِنْ أَعْلَمَهُ تَعَلَّقَتْ بِهِمَا مَعًا أَيْ بِأَنْ قَالَ لَهُ أَنَا أَعْلَمُ قَدْرَهُ (قَوْلُهُ لَكِنْ إنْ أَعْلَمَهُ فَسَدَ) بَلْ لَوْ أَعْلَمَهُ الْغَيْرُ بِعِلْمِهِ كَذَلِكَ.
(قَوْلُهُ بِأَنْ يَكُونَا مِنْ قَوْمٍ اعْتَادُوهُ، وَأَنْ يَحْزِرَا بِالْفِعْلِ إلَخْ) فَإِنْ لَمْ يَكُونَا مِنْ أَهْلِ الْحَزْرِ وَوَكَّلَا فِيهِ كَفَى بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّهُمَا لَوْ كَانَا مِنْ أَهْلِ الْحَزْرِ وَوَكَّلَا مَنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ الْحَزْرِ كَفَى ذَلِكَ قَالَ عج قَوْلُهُ وَحَزَرَا أَيْ أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْهُمَا اعْتَادَ الْحَزْرَ كَمَا يُفِيدُهُ قَوْلُ ابْنِ عَرَفَةَ اللَّخْمِيِّ شَرْطُ الْجَوَازِ كَوْنُهُمَا مِمَّنْ اعْتَادَ الْحَزْرَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُخْطِئُ إلَّا يَسِيرًا، وَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا غَيْرَ مُعْتَادِهِ لَمْ يَجُزْ وَتَبِعَهُ الْمَازِرِيُّ انْتَهَى.
وَهَذَا يُفِيدُ اعْتِبَارَ اعْتِيَادِ الْحَزْرِ لَا مَعْرِفَتَهُ مُطْلَقًا، وَاعْتِيَادُهُ أَخَصُّ مِنْ مُطْلَقِ مَعْرِفَتِهِ وَمَا ذَكَرَهُ عج لَا يُنَافِي الِاسْتِظْهَارَ الَّذِي قُلْنَاهُ وَانْظُرْ إذَا كَانَا مِمَّنْ اعْتَادَ الْحَزْرَ غَيْرَ أَنَّ كَيْلَهُمَا أَوْ وَزْنَهُمَا مُخْتَلِفٌ وَكُلٌّ مِنْهُمَا يُحْرِزُ مَا فِي الْمَبِيعِ عَلَى قَدْرِ كَيْلِهِ أَوْ وَزْنِهِ كَالْأَعْرَابِ يَبِيعُونَ السَّمْنَ جُزَافًا

الصفحة 28