كتاب جريدة «الشريعة» النبوية المحمدية (اسم الجزء: 5)
_____
الصفحة 3
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـ[عمود:1]ـ
وأما أنت يا حضرة الفقيه فلا تحب جميع الأولياء, بل تؤمن ببعض وتكفر ببعض فالذين تؤمن بهم تتغالى فيهم إلى درجة بعيدة جدا وربما تغاليت فيهم إلى حد التأليه, وهؤلاء الأولياء الذين تخصهم بإيمانك وغلوك هم أشياخ الطريقة التي تعتنقها. وأما سواهم من الأولياء والأشياخ فلا يعنيك من أمرهم شيء ودليل ذلك أن هؤلاء الطلبة الفقهاء الذين ينتسبون إلى الطرق الصوفية لا ينافح كل واحد منهم إلا عن الطريقة التي ينتسب إليها. ولا يؤلف الكتب إلا في مناقب أشياخها, قل لي بربك هل تستطيع أن تجد فقيها واحدا من أتباع الطريقة القادرية يؤلف كتابا في مناقب الشيخ التجاني أو تجد فقيها تجانيا واحدا يؤلف كتابا في فضائل الشيخ عبد القادر الجيلاني أو نحو ذلك بل كل واحد ينصر طريقته ويدعو إليها, وهذا دليل قاطع على أن الأولياء ليسوا عندكم سواء, على أن هؤلاء الذين ينسبون إلى سيدي فلان المناقب والكرامات, ويزعمون أنه قطب الأقطاب وغوث الأغواث ويتظاهرون بالدفاع عنه وبالغيرة عليه لا يفعلون ذلك محبة في هذا (الولي) ولا غيرة عليه, ولكنهم يفعلون ذلك طلبا للخبز والمعاش قد اتخذوا لأنفسهم اسم هذا (الولي) علامة خصوصية لكسبهم وجعلوه (مارك دي بوزي)!! وقد رأيت بعيني وسمعت بأذني متسولا في بعض قرى الصحراء يقف على هذا الباب فيسأل أهل الدار ويستعطفهم باسم الشيخ التجاني ثم يقف على باب آخر ويسأل باسم الشيخ الجيلاني, ويقف على باب ثالث فيسأل باسم الشيخ بن عبد الرحمان ويقف على الباب الرابع فيسأل باسم شيخ طريقة أخرى, وربما وقف على باب آخر فلم يذكر في السؤال إلا اسم الله واسم
ـ[عمود2]ـ
الرسول صلى الله عليه وسلم وقد عجبت منه لأول مرة ولكن ما لبثت أن عرفت السبب وذلك أن هذا المتسول كان يسأل كل أهل منزل باسم صاحب طريقتهم, وكان قد بحث عن كل دار فعرف الطريقة التي تنتسب إليها. أما اسم الله واسم الرسول فلا يذكرهما إلا عندما يقف على باب أحد المصلحين. ولكن من يدري؟ فلعل جميع أشياخ الطرق المعاصرين وسائل ((مقاديمهم)) لا يثبتون على طرقهم إلا ما دام لهم فيها رزق ومعاش, ولا يعدو شأنهم فيها أن يكون كشأن هذا السائل. قال الرجل: وقد رأينا كثيرا من المقاديم كانوا على طريقة ثم تركوها إلى طريقة أخرى غيرها لا لأنهم عرفوا أن الأولى على ضلال وأن هذه الثانية هي على هدى من الله. ولا فعلوا ذلك ابتغاء مرضاة الله. ولكن لأنهم وجدوا أن الأولى لا فائدة لهم منها ولا خير فيها فتركوها إلى أخرى عسى أن يجدوا لهم فيها رزقا ومتاعا, أو عسى أن يجدوا لهم في هذه الثانية خبزا ومعاشا فهم طلاب خبز ومعاش لا يهمهم ما عند الله من الأجر والثواب.
إنني أريد يا حضرة الفقيه أو يا حضرة المقدم أن أسألك سؤالا أرجو أن تجيبني عنه بما أراك الله من الحق والصواب. فقال الفقيه: سل عما تريد. فقال الرجل: ماذا تقول في الشيخ سيدي فلان صاحب الطريقة الفلانية هل هو (ولي صالح) كما يعتقد فيه أصحابه ومريدوه أم هو دجال خبيث كما يعتقد فيه بعض الناس؟ فقال الفقيه: بل هو طرقي دجال لا يشم رائحة للولاية والصلاح, فقال الرجل: ولكن أتباعه ومريدوه يعتقدون أن (شيخهم) قد بلغ منتهى الكمال في الولاية والتقوى, فقال الفقيه: هم ضالون مخطئون, قال الرجل: ولماذا؟ قال الفقيه: لأني عرفت
ـ[عمود3]ـ
((شيخهم)) هذا فعرفت فيه خبث السيرة, وسوء السلوك, وذكر حكايات تدل على هذا المعنى, قال الرجل: وماذا تقول في الشيخ سيدي فلان مؤسس طريقتكم التي أنت ((مقدم)) فيها؟ فقال الفقيه: هو من أولياء الله ومن أكابر الصالحين ما يكون عندك في ذلك من شك ولا ريب وكل من مات وهو غير محب لشيخنا هذا مات ولا محالة على سوء الخاتمة, فقال الرجل: والذين ماتوا قبل أن يوجد شيخكم من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين وهم بلا شك لم يعرفوه حتى يحبوه هل هم أيضا جميعا ماتوا على سوء الخاتمة؟! فبهت الفقيه ولم يجد ما يقول. فقال الرجل: ولكن هل يسلم لكم هذا القول جميع أهل الطرق الأخرى قال: لا, قال: وماذا يعتقدون فيكم؟ قال الفقيه: يعتقدون فينا أننا ضالون مخطئون, فقال الرجل: أنتم تقولون أنهم مخطئون ضالون, وهم يقولون أنكم مخطئون ضالون, وأنا أصدق قولهم فيكم وقولكم فيهم كما أصدق بقول اليهود في النصارى وبقول هؤلاء في اليهود, فيما حكاه الله عنهما في كتابه العزيز إذ قال: (((وقالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت النصارى ليست اليهود على شيء))) ومن يدري لعلكم لستم على شيء كما يعتقد فيكم أبناء الطوائف الأخرى ولعلهم ليسوا على شيء كما تعتقدون أنتم فيهم! ومن يدري لعل أصحاب الطرق جميعا هم في ضلال؛ وليسوا على شيء. فأنكر بعض الحاضرين على الرجل هذا الكلام قائلا له: لا تعمم كلامك يا هذا على الطرق كلها, ففي الطرق ما هو خير وفيها ما هو شر, وفيها ما هو حق وفيها ما هو باطل, ومن أصحابها من هو بر تقي, ومنهم من هو فاجر دجال, ومن الطرق ما هو سنة, ومنها ما هو بدعة, فلا تجعل السنيين كالمبتدعين, ولا المتقين كالفجار, فقال الرجل: ولا تنس يا سيدي أن الطرق من حيث هي في أصلها بدعة وضلالة؛ وقد يكون بعض الطرقيين أخيارا بررة يتبعون السنة الثابتة ولكنهم ما داموا طرقيين فهم مبتدعون من هذه الناحية فالشرط الأساسي للمؤمن السني هو أن لا يؤمن بخرافة ولا طريق والدليل على أن هذه الطرق هي
الصفحة 3
8